عَزَلَ وَلَمْ يَعُدْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ مُحْصَنَةً وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَدُّ الْمَرْأَةِ فَمَ رَحِمِهَا كَمَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ لِمَنْعِ الْوَلَدِ حَرَامًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ قِيَاسًا عَلَى عَزْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَلْ يُبَاحُ الْإِسْقَاطُ بَعْدَ الْحَبَلِ يُبَاحُ مَا لَمْ يَتَخَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ ثُمَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّخْلِيقِ نَفْخَ الرُّوحِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ التَّخْلِيقَ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ: وَلَا أَقُولُ: بِأَنَّهُ يُبَاحُ الْإِسْقَاطُ مُطْلَقًا فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ ثَمَّ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ هَاهُنَا إذَا أُسْقِطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ اهـ.
وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَهُ أَصْلًا صَحِيحًا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَلِظَاهِرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صَرِيحًا وَلِذَا يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِصِيغَةِ قَالُوا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَمَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْقِنَّةُ، وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ إلَيْهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَتَقَتْ أَمَةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ خُيِّرَتْ وَلَوْ زَوْجُهَا حُرًّا) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِبَرِيرَةَ حِينَ أُعْتِقَتْ مَلَكْتِ الْمُزَوَّجَ فَاخْتَارِي» فَالتَّعْلِيلُ بِمِلْكِ الْبُضْعِ صَدَرَ مُطْلَقًا فَيَنْتَظِمُ الْفَصْلَيْنِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهِ وَلِأَنَّهُ يَزْدَادُ الْمِلْكُ عَلَيْهَا عِنْدَ الْعِتْقِ فَيَمْلِكُ الزَّوْجُ بَعْدَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَمْلِكُ رَفْعَ أَصْلِ الْعَقْدِ دَفْعًا لِلزِّيَادَةِ، وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ أَعْنِي ازْدِيَادَ الْمِلْكِ عَلَيْهَا قَدْ وُجِدَتْ فِي الْمُكَاتَبَةِ لِأَنَّ عِدَّتَهَا قُرْآنِ وَطَلَاقَهَا ثِنْتَانِ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ فَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَرَجَّحَ أَئِمَّتُنَا الْأُولَى لِمَا فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَرِوَايَةُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا نَافِيَةٌ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ حَالَتُهُ الْأَصْلِيَّةُ الرِّقَّ، وَالنَّافِي هُوَ الَّذِي أَبْقَاهَا، وَنَفْيُ الْأَمْرِ الْمُعَارِضِ، وَالْمُثْبِتِ هُوَ الْمَخْرَجُ عَنْهَا
وَقَدْ رَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَ زُفَرَ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ إذَا أَعْتَقَتْ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا بِأَنَّهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ مَلَكْتِ بُضْعَكِ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا مَنَافِعَ بُضْعَك إذْ لَا يُمْكِنُ مِلْكُهَا لِعَيْنِهِ وَمِلْكُهَا لِإِكْسَابِهَا تَبَعٌ لِمِلْكِهَا لِمَنَافِعِ نَفْسِهَا فَلَزِمَ كَوْنُهَا مَالِكَةً مُقَابَلٌ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ اهـ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مِلْكُهَا مُقَابَلٌ بِالْعِتْقِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ ازْدِيَادُ الْمِلْكِ عَلَيْهَا، وَهُوَ وُجُودٌ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَعَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مِلْكُ الْبُضْعِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَالِكَةً لِمَنَافِعِ بُضْعِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَقَدْ مَلَكَتْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَلَكَتْ بُضْعَهَا بِالْعِتْقِ فَدَخَلَتْ تَحْتَ النَّصِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا لِلْمَوْلَى وَجَبْرُهَا عَلَى النِّكَاحِ لَا لِأَجْلِ أَنَّهَا مَلَكَتْ بُضْعَهَا بَلْ لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي أَكْسَابِهَا وَهُوَ مِنْهَا فَتَرَجَّحَ بِهِ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا خُصُوصًا قَدْ حَدَّثَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ بَرِيرَةَ كَانَتْ مُكَاتَبَةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَنَّهَا خُيِّرَتْ حِينَ أُعْتِقَتْ فَكَانَ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ فَكَانَ زُفَرُ مَحْجُوجًا بِهِ وَشَمِلَ إطْلَاقَ الْأَمَةِ الْقِنَّةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَشَمِلَ الْكَبِيرَةَ، وَالصَّغِيرَةَ
فَإِذَا أَعْتَقَتْ الصَّغِيرَةُ تَوَقَّفَ خِيَارُهَا إلَى بُلُوغِهَا لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ النَّفْعِ، وَالضَّرَرِ فَلَا تَمْلِكُهُ الصَّغِيرَةُ وَلَا يَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا عَلَيْهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهَا كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْ كَانَ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ لَا خِيَارُ الْبُلُوغِ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ أَوَّلًا صَدَرَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَدُّ الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ لَهَا أَنْ تُعَالِجَ نَفْسَهَا فِي إسْقَاطِ الْوَلَدِ قَبْلَ إكْمَالِ الْخِلْقَةِ كَمَا سَيَأْتِي بِشَرْطِهِ فَمَنْعُ سَبَبِهِ بِالْجَوَازِ أَحْرَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كَرَاهَةِ الْعَزْلِ بِغَيْرِ إذْنِهَا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ ثُمَّ نُقِلَ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِمْ بِإِبَاحَةِ الْعَزْلِ لِسُوءِ الزَّمَانِ وَقَالَ وَعَلَى هَذَا فَيُبَاحُ لَهَا سَدُّهُ (قَوْلُهُ:، وَفِي الْخَانِيَّةِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَنْقَطِعَ لَبَنُهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ وَلَيْسَ لِأَبِي الصَّغِيرِ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ وَيَخَافُ هَلَاكَهُ وَنُقِلَ عَنْ الذَّخِيرَةِ لَوْ أَرَادَتْ الْإِلْقَاءَ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ هَلْ يُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكَانَ الْفَقِيهُ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى يَقُولُ إنَّهُ يُكْرَهُ فَإِنَّ الْمَاءَ بَعْدَمَا وَقَعَ فِي الرَّحِمِ مَآلُهُ الْحَيَاةُ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ كَمَا فِي بَيْضَةِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَحْوُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ فَإِبَاحَةُ الْإِسْقَاطِ مَحْمُولَةٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ أَوْ أَنَّهَا لَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ اهـ.
وَبِمَا فِي الذَّخِيرَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا بِالتَّخْلِيقِ إلَّا نَفْخَ الرُّوحِ وَأَنَّ قَاضِي خَانْ مَسْبُوقٌ بِمَا مَرَّ مِنْ التَّفَقُّهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى) قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٌ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَيْضًا عَدَمُ تَوَقُّفِ الْعَزْلِ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى إذَا اشْتَرَطَ الزَّوْجُ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي الْأَوْلَادِ حِينَئِذٍ وَلَمْ أَرَهُ.
(قَوْلُهُ: فَيَنْتَظِمُ الْفَصْلَيْنِ) أَيْ مَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ كَانَ. . . إلَخْ) اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ لَا مُتَعَلِّقَةً بِنَافِيَةٍ (قَوْلُهُ: وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ أَوَّلًا صَدَرَ بِرِضَاهَا أَوْ جَبْرًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ أَعْتَقَتْ أَمَةً أَوْ مُكَاتَبَةً خُيِّرَتْ وَلَوْ زَوَّجَهَا