للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَرَادَ بِالْمُهَاجِرَةِ التَّارِكَةَ لِدَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَزْمِ عَدَمِ الْعَوْدِ وَذَلِكَ بِأَنْ تَخْرُجَ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ صَارَتْ كَذَلِكَ وَقَيَّدَ بِالْحَائِلِ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَظَاهِرُ مَفْهُومِ الْكِتَابِ أَنَّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالتَّبْيِينِ

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ، وَالْوَطْءَ حَرَامٌ حَتَّى تَضَعَهُ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الْحَرْبِيِّ كَمَاءِ الزَّانِي وَصَحَّحَ الشَّارِحُونَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ فَكَانَ الرَّحِمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْغَيْرِ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِ الْعَقْدِ كَالْوَطْءِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا وَصَحَّحَ الْأَقْطَعُ رِوَايَةَ الصِّحَّةِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ الْفِرَاشُ فِي حَقِّ النَّسَبِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ: وَارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ فِي الْحَالِ) يَعْنِي فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّ وُجُودَ الْمُنَافِي يُوجِبُهُ كَالْمَحْرَمِيَّةِ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْعِصْمَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ ارْتِدَادَ الْمَرْأَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخَ وَمَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ بِرِدَّتِهَا حَسْمًا لِبَابِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْحِيلَةُ لِلْخَلَاصِ مِنْهُ وَعَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى أَفْتَوْا بِالْفُرْقَةِ لَكِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالنِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَسْمَ يَحْصُلُ بِهَذَا الْخَبَرِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى إسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْمُنَافِي وَتَعَقَّبَهُمْ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّ جَبْرَ الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ مُنَافٍ لِلشَّرْعِ أَيْضًا فَلَزِمَهُمْ مَا هَرَبُوا مِنْهُ مِنْ إسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْمُنَافِي اهـ.

وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى النِّكَاحِ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ فِي الْجُمْلَةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ، وَالْحُرِّ الصَّغِيرِ، وَالْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ فَجَازَ ارْتِكَابُهُ فِي غَيْرِهِمْ لِلضَّرُورَةِ وَلَمْ يُعْهَدْ بَقَاءُ النِّكَاحِ مَعَ الْمُنَافِي لَهُ فَافْتَرَقَا قَالُوا: وَلِكُلِّ قَاضٍ أَنْ يُجَدِّدَ النِّكَاحَ بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَلَوْ بِدِينَارٍ رَضِيَتْ أَوْ لَا وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ اهـ.

وَهُوَ اخْتِيَارٌ؛ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّعْزِيرِ هُنَا فَإِنَّ نِهَايَتَهُ فِي تَعْزِيرِ الْحُرِّ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ وَعِنْدَهُمَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَعَ أَنَّ الْقُدْسِيَّ فِي الْحَاوِي قَالَ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورِ وَبِهِ نَأْخُذُ فَعَلَى هَذَا الْمُعْتَمَدِ فِي نِهَايَةِ التَّعْزِيرِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ كَانَ فِي تَعْزِيرِ الْمُرْتَدَّةِ أَوْ لَا وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ، وَالْخِزَانَةِ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مِنْ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ، وَالْجَبْرِ عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مِنْ الْأَوَّلِ وَعَدَمِ تَزَوُّجِهَا بِغَيْرِهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا، وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا طَلَبَ الْأَوَّلُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا رَضِيَ بِتَزَوُّجِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَطْلُبْ تَجْدِيدَ النِّكَاحِ وَاسْتَمَرَّ سَاكِتًا لَا يُجَدِّدُهُ الْقَاضِي حَيْثُ أَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ الْمُرْتَدَّةُ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَرَقُّ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ مَصْرِفًا فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ حَسْمًا لِهَذَا الْأَمْرِ لَا بَأْسَ بِهِ قُلْت، وَفِي زَمَانِنَا بَعْدَ فِتْنَةِ التَّتَرِ الْعَامَّةِ صَارَتْ هَذِهِ الْوِلَايَاتُ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا وَأَجْرَوْا أَحْكَامَهُمْ فِيهَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَفْهُومِ الْكِتَابِ. . . إلَخْ) قَالَ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى هَذَا الْخِلَافُ يَتَحَقَّقُ فِي الْحَائِلِ، وَالْحَامِلِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ وَعَدَمِ وُجُوبِهَا أَمَّا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ نِكَاحُ الْحَامِلِ عِنْدَهُ مَعَ عَدَمِ الْعِدَّةِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْحَقَائِقِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ فَمَنْ اسْتَثْنَى الْحَامِلَ فَقَدْ تَوَهَّمَ وَمَنْشَؤُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ: وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ تُزَوَّجْ حَتَّى تَضَعَ فَفُهِمَ أَنَّ الْمَانِعَ عِنْدَهُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ فَرْشَتَةَ وَغَيْرُهُ، وَالْحَالُ أَنَّ آخِرَ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ الْقُدْسِيَّ فِي الْحَاوِي قَالَ. . . إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ مُخْتَارًا هُنَا فَقَطْ (قَوْلُهُ: أَوْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ مُصَرِّفًا) أَيْ يَصْرِفُهَا الْإِمَامُ إلَيْهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِيلَادُ عَلَيْهَا بِلَا شِرَاءٍ أَوْ صَرْفٍ وَقَدْ نَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ أَنَّ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ ظَفِرَ بِمَالِهِ وَجْهٌ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ دِيَانَةً وَنَظَمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَمَاتَ الْمُودِعُ بِلَا وَارِثٍ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانِنَا هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَضَاعَتْ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَهُ مَصَارِفَهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَّا صَرَفَهُ إلَى الْمَصْرِفِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. . . إلَخْ) قَالَ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مِنَحِهِ: وَمَنْ تَصَفَّحَ أَحْوَالَ نِسَاءِ زَمَانِنَا وَمَا يَقَعُ مِنْهُنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الرِّدَّةِ مُكَرَّرًا فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِي الْإِفْتَاءِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ اهـ.

وَفِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِمَا اخْتَارَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخَ أَوْلَى مِنْ الْإِفْتَاءِ بِمَا فِي النَّوَادِرِ وَلَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ الْمَشَاقِّ فِي تَجْدِيدِهَا فَضْلًا عَنْ جَبْرِهَا بِالضَّرْبِ وَنَحْوِهِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحَدُّ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْ عُلَمَاءِ الْعَجَمِ اُبْتُلِيَ بِامْرَأَةٍ تَقَعُ فِيمَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَثِيرًا ثُمَّ تُنْكِرُ وَعَنْ التَّجْدِيدِ تَأْبَى، وَمِنْ الْقَوَاعِدِ: الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ اهـ.

لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ يُفِيدُ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ بَلْخَ أَوْلَى مِمَّا اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ بُخَارَى لَا مِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>