كَخُوَارِزْمَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَخُرَاسَانَ وَنَحْوِهَا صَارَتْ دَارَ الْحَرْبِ فِي الظَّاهِرِ فَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الزَّوْجُ بَعْدَ الرِّدَّةِ يَمْلِكُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شِرَائِهَا مِنْ الْإِمَامِ فَيُفْتِي بِحُكْمِ الرِّقِّ حَسْمًا لِكَيْدِ الْجَهَلَةِ وَمَكْرِ الْمَكْرَةِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ اهـ.
مَا فِي الْقُنْيَةِ وَهَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَنَقَلَ قَوْلَهُ فَلَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلزَّوْجِ أَنْ يَبِيعَهَا بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ بَيْعُهَا إذَا كَانَتْ وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ أُمِّ وَلَدِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارُ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ ثُمَّ مَلَكَهَا السَّيِّدُ يَعُودُ كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدِهِ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ الْمِلْكِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الرِّدَّةِ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَغَابَ عَنْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَأَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّهَا ارْتَدَّتْ، وَالْمُخْبِرُ حُرٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، وَإِنْ أُخْبِرَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ ارْتَدَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي رِوَايَةِ الِاسْتِحْسَانِ
وَفِي رِوَايَةِ السِّيَرِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ رِوَايَةُ الِاسْتِحْسَانِ اهـ.
وَإِنَّمَا كَانَتْ رِدَّتُهُ فَسْخًا وَإِبَاؤُهُ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الرِّدَّةَ مُنَافِيَةٌ لِلنِّكَاحِ لِكَوْنِهَا مُنَافِيَةً لِلْعِصْمَةِ، وَالطَّلَاقُ رَافِعٌ فَتَعَذَّرَ أَنْ يُجْعَلَ طَلَاقًا بِخِلَافِ الْإِبَاءِ فَإِنَّهُ يُفَوِّتُ الْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ فَيَجِبُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَلِذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فِي الْإِبَاءِ دُونَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ رِدَّتَهُ طَلَاقٌ كَإِبَائِهِ وَأَبُو يُوسُفَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّ إبَاءَهُ فَسْخٌ فَرِدَّتُهُ كَذَلِكَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَسْخٌ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ الْعَدَدَ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ ارْتَدَّ مِرَارًا وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَحِلُّ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ إصَابَةِ زَوْجٍ ثَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ لَوْ حُرَّةً مِمَّنْ تَحِيضُ وَبِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَوْ آيِسَةً أَوْ صَغِيرَةً وَبِوَضْعِ الْحَمْلِ لَوْ حَامِلًا لَوْ دَخَلَ سَوَاءٌ ارْتَدَّ أَوْ ارْتَدَّتْ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَوْ ارْتَدَّ هُوَ لَا تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى التَّزَوُّجِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا ارْتَدَّتْ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَهَا السُّكْنَى وَبِهِ يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلِزَوْجِ الْمُرْتَدَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا إذَا لَحِقَتْ بِالدَّارِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ خَرَجَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمَةً بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُ أُخْتِهَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمُعْتَدَّةُ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ قَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهَا بَطَلَتْ عِدَّتُهَا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ كَأَنَّهَا مَاتَتْ فَإِنْ رَجَعَتْ إلَيْنَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْلِمَةً قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَالْحَيْضِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَعُودُ مُعْتَدَّةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَعُودُ مُعْتَدَّةً اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُسْلِمَ يَرِثُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ إذَا مَاتَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ اسْتِحْسَانًا وَلَا يَرِثُ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا: مُسْلِمٌ أُسِرَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ ارْتَدَدْتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ قَالَ تَكَلَّمْتُ بِالْكُفْرِ مُكْرَهًا وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ تَكُنْ مُكْرَهًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِيمَا قَالَ فَالْقَاضِي لَا يُصَدِّقُهُ اهـ.
وَهَكَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا مَعَهُ وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ وَلَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهَا بِذَلِكَ وَصَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِي دَعْوَى
ــ
[منحة الخالق]
فِي النَّوَادِرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: يَمْلِكُهَا. . . إلَخْ) أَيْ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ كَانَ الدَّارُ دَارَ حَرْبٍ (وَقَوْلُهُ: وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ: وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ لَوْ أَوْقَعَهُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَنَصُّهُ: وَإِذَا ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ وَإِذَا ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ فَإِنْ عَادَتْ قَبْلَ الْحَيْضِ لَمْ يَقَعْ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِبُطْلَانِ الْعِدَّةِ بِاللَّحَاقِ ثُمَّ لَا تَعُودُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ.
(قَوْلُهُ: يَرِثُ مِنْ امْرَأَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَتْ رِدَّتُهَا فِي مَرَضِهَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: مِنْ فَصْلِ الْمُعْتَدَّةِ الَّتِي تَرِثُ إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارٍ الْحَرْبِ أَوْ مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى الرِّدَّةِ وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ مَاتَتْ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ فِي الصِّحَّةِ لَا يَرِثُهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَرَضِ وَرِثَهَا الزَّوْجُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا إنْ مَاتَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا لَا يَرِثُهُ الْمُرْتَدُّ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ إنْ كَانَ هُوَ الزَّوْجُ وَرِثَتْهُ الْمُسْلِمَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُرْتَدَّةُ قَدْ مَاتَتْ فَإِنْ كَانَ رِدَّتُهَا فِي الْمَرَضِ وَرِثَهَا الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ لَمْ يَرِثْ اهـ.
قُلْت: وَالْفَرْقُ أَنَّ رِدَّتَهُ فِي مَعْنَى مَرَضِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ أَبَى عَنْ الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رِدَّتِهِ فِي الْمَرَضِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ فَيَكُونُ فَارًّا فَتَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ بِخِلَافِ رِدَّتِهَا فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْفَارَّةِ.