للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْخِيَارَ فِي التَّعْزِيرِ بَيْنَ الضَّرْبِ، وَالْحَبْسِ.

(قَوْلُهُ: وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنْ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ حِلَّ الْأَمَةِ أَنْقَصُ مِنْ حِلِّ الْحُرَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ النُّقْصَانِ فِي الْحُقُوقِ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ الْمُكَاتَبَةَ، وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَالْمُبَعَّضَةَ لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِنَّ قَائِمٌ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا التَّفَاوُتُ فِي السُّكْنَى، وَالْبَيْتُوتَةِ فَأَمَّا فِي الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ، وَالْمَلْبُوسِ فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَاتِ اللَّازِمَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِ أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ حَالِهِمَا فَلَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ أَقَامَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ يَوْمًا ثُمَّ أَعْتَقَتْ لَمْ يُقِمْ عِنْدَ الْحُرَّةِ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَتُجْعَلُ حُرِّيَّتُهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّتِهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ النَّوْبَةِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ عِنْدَ حُرَّةٍ يَوْمًا ثُمَّ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ تَحَوَّلَ عَنْهَا إلَى الْمُعْتَقَةِ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيُسَافِرُ بِمَا شَاءَ مِنْهُنَّ، وَالْقُرْعَةُ أَحَبُّ) لِأَنَّهُ قَدْ يَثِقُ بِإِحْدَاهُمَا فِي السَّفَرِ وَبِالْأُخْرَى فِي الْحَضَرِ، وَالْقَرَارِ فِي الْمَنْزِلِ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ أَوْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ أَوْ يَمْنَعُ مِنْ سَفَرِ إحْدَاهُمَا كَثْرَةُ سِمَنِهَا فَتَعْيِينُ مَنْ يَخَافُ صُحْبَتَهَا فِي السَّفَرِ لِخُرُوجِ قُرْعَتِهَا إلْزَامٌ لِلضَّرَرِ الشَّدِيدِ وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالْمُنَافِي لِلْحَرَجِ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ قُرْعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُنَّ إذَا أَرَادَ سَفَرًا فَكَانَ لِلِاسْتِحْبَابِ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فَكَيْفَ وَهُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْقَسْمِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: ٥١] وَكَانَ مِمَّنْ أَرْجَاهُنَّ سَوْدَةَ وَجُوَيْرِيَةَ وَأُمَّ حَبِيبَةَ وَصَفِيَّةَ وَمَيْمُونَةَ وَمِمَّنْ آوَى عَائِشَةَ، وَالْبَاقِيَاتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ - قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: ٥١] تُؤَخِّرُهَا وَتَتْرُكُ مُضَاجَعَتَهَا {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: ٥١] تَضُمُّ إلَيْك وَتُضَاجِعُهَا أَوْ تُطَلِّقُ مَنْ تَشَاءُ وَتُمْسِكُ مَنْ تَشَاءُ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} [الأحزاب: ٥١] أَيْ طَلَبْت {مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: ٥١] طَلُقَتْ بِالرَّجْعَةِ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: ٥١] فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ.

قَيَّدَ بِالسَّفَرِ لِأَنَّ مَرَضَهُ لَا يُسْقِطُ الْقَسْمَ عَنْهُ، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا مَرِضَ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَأَذِنَّ لَهُ» وَلَمْ أَرَ كَيْفِيَّةَ قَسْمِهِ فِي مَرَضِهِ إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَوُّلَ إلَى بَيْتِ الْأُخْرَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَسْمِهِ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ إذَا صَحَّ ذَهَبَ إلَى الْأُخْرَى بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُولَى بِخِلَافِ مَا إذَا سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ إذَا أَقَامَ لَا يَقْضِي لِلْمُقِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ إذَا وَهَبَتْ قَسْمَهَا لِأُخْرَى) فَأَفَادَ جَوَازَ الْهِبَةِ، وَالرُّجُوعِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَمَّا صِحَّةُ الرُّجُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ، وَقَدْ فَرَّعَ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا تَفَارِيعَ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ مَشَايِخِنَا ذَكَرَهَا، مِنْهَا أَنَّهَا إذَا وَهَبَتْ حَقَّهَا لِمُعَيَّنَةٍ وَرَضِيَ بَاتَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَيْلَتَيْنِ، وَإِنْ كَرِهَتْ مَا دَامَتْ الْوَاهِبَةُ فِي نِكَاحِهِ وَلَوْ كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ لَمْ يُوَالِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ وَهَبَتْهُ لِلْجَمِيعِ جَعَلَهَا كَالْمَعْدُومَةِ وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ فَخَصَّ بِهِ وَاحِدَةً جَازَ كَذَا فِي الرَّوْضِ وَلَعَلَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا هَذَا التَّفْصِيلَ لِأَنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ إنَّمَا هِيَ إسْقَاطٌ عَنْهُ فَكَانَ الْحَقُّ لَهُ سَوَاءٌ وَهَبَتْ لَهُ أَوْ لِصَاحِبَتِهَا فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ حِصَّةَ الْوَاهِبَةِ لِمَنْ شَاءَ.

(تَتِمَّةٌ)

فِي حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ: الْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ لِلْآيَةِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ التَّفْصِيلُ، وَالْإِحْسَانُ إلَيْهَا قَوْلًا وَفِعْلًا وَخُلُقًا وَقِيلَ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهَا كَمَا يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ مَعَ نَفْسِهِ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمِنْهَا إذَا حَصَلَ نُشُوزٌ أَنْ يَبْدَأَهَا بِالْوَعْظِ ثُمَّ بِالْهَجْرِ ثُمَّ بِالضَّرْبِ لِلْآيَةِ لِأَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ عَلَى التَّوْزِيعِ وَاخْتُلِفَ فِي الْهَجْرِ فَقِيلَ يَتْرُكُ مُضَاجَعَتَهَا وَقِيلَ يَتْرُكُ جِمَاعَهَا، وَالْأَظْهَرُ تَرْكُ كَلَامِهَا مَعَ الْمُضَاجَعَةِ، وَالْجِمَاعِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيتَ مَعَهَا وَلَا يُعَطِّلَهَا، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَهَا لَيْلَةٌ مِنْ كُلِّ أَرْبَعٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَمِنْ كُلِّ سَبْعٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَتَعَيَّنُ

ــ

[منحة الخالق]

فَإِنَّ مُقْتَضَى ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ بَعْدَ التَّثْلِيثِ أَنَّ لَهُ التَّسْبِيعَ وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةً عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُولَى) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الِاخْتِيَارُ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَيْهِ حَالَ صِحَّتِهِ فَفِي مَرَضِهِ أَوْلَى فَإِذَا مَكَثَ عِنْدَ الْأُولَى مُدَّةً أَقَامَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ بِقَدْرِهَا اهـ.

وَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ مُدَّةَ إقَامَتِهِ دَوْرًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي مِقْدَارِ الدَّوْرِ إلَيْهِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ حَيْثُ قَالَ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ شَهْرًا فَطَلَبَتْ مِثْلَهَا الْأُخْرَى لَا يَفْعَلُ وَيَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْتَأْنِفُ هُنَا بِالْأَوْلَى اهـ.

نَعَمْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ فَلَوْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى ثَلَاثَةً فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَكَانَ الْحَقُّ لَهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: كَوْنُ الْحَقِّ لَهُ فِيمَا إذَا وَهَبَتْ لِصَاحِبَتِهَا مَمْنُوعٌ فَفِي الْبَدَائِعِ فِي تَوْجِيهِ الْمَسْأَلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>