للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نُزَوِّجُهُ ثُمَّ نُزَوِّجُهُ ثُمَّ نُزَوِّجُهُ اهـ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ الطَّلَاقُ» قَالَ الشُّمُنِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كَوْنَ الطَّلَاقِ مُبَغَّضًا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُنَافٍ لِكَوْنِهِ حَلَالًا لِأَنَّ كَوْنَهُ مُبَغَّضًا يَقْتَضِي رُجْحَانَ تَرْكِهِ عَلَى فِعْلِهِ وَكَوْنُهُ حَلَالًا يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ تَرْكِهِ بِفِعْلِهِ أُجِيبَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَلَالِ هُنَا مَا اسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ بَلْ مَا لَيْسَ تَرْكُهُ بِلَازِمٍ الشَّامِلَ لِلْمُبَاحِ، وَالْوَاجِبِ، وَالْمَنْدُوبِ، وَالْمَكْرُوهِ اهـ.

وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ اخْتِيَارُ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ عَنْ عُلَمَائِنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّعْلِيلِ يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ مَا ذَكَرْنَا فِي بَيَانِ سَبَبِهِ فَبَيْنَ الْحُكْمَيْنِ مِنْهُمْ تَدَافُعٌ اهـ.

فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا تَدَافُعَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا صَرِيحٌ فِي إبَاحَتِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَدَعْوَى أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ فِيمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهُ مَحْظُورٌ خِلَافَ الْوَاقِعِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا قَالُوا فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى بِدْعِيَّةِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الْحَظْرُ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ، وَالدُّنْيَوِيَّةُ، وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ شَرْعًا وَإِنَّمَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أُجِيبَ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَلَالِ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَلَا يُنَافِي الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَبْغُوضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ مَا شَمَلَهُ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ فَيَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْأَبْغَضِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَلَالِ الْمُبَاحُ فَإِنَّهُ يُنَافِي الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ مُؤَيِّدٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: اخْتِيَارٌ لِلْقَوْلِ الضَّعِيفِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ بِالْحَاجَةِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ تَخْصِيصُ الْحَاجَةِ بِالْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ فَمِنْ الْحَاجَةِ الْمُبِيحَةِ أَنْ يُلْقِي إلَيْهِ عَدَمَ اشْتِهَائِهَا بِحَيْثُ يَعْجِزُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِإِكْرَاهِهِ نَفْسَهُ عَلَى جِمَاعِهَا فَهَذَا إذَا وَقَعَ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى طَوْلِ غَيْرِهَا مَعَ اسْتِبْقَائِهَا وَرَضِيَتْ بِإِقَامَتِهَا فِي عِصْمَتِهِ بِلَا وَطْءٍ وَبِلَا قَسَمٍ فَيُكْرَهُ طَلَاقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى طَوْلِهَا أَوْ لَمْ تَرْضَ هِيَ بِتَرْكِ حَقِّهَا فَهُوَ مُبَاحٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْظُورٌ شَرْعًا إلَخْ.) .

اعْلَمْ أَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مَشْرُوعٌ فِي ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ وَقَالَ إنَّهُ لَا يُنَافِي الْحَظْرَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ النِّكَاحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ الدِّينِيَّةُ، وَالدُّنْيَوِيَّةُ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ وَأَنَّ الْإِبَاحَةَ لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ فَتَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ جِهَةٍ وَمَحْظُورٌ مِنْ جِهَةٍ فَمَشْرُوعِيَّتُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إزَالَةُ الرِّقِّ فَإِنَّ النِّكَاحَ رِقُّ الْمَرْأَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ يَتَضَرَّرُ الرَّجُلُ بِهَا كَمَا قَدْ تَتَضَرَّرُ هِيَ بِهِ فَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ وَجْهٌ لِلْخَلَاصِ لَلَزِمَ الضَّرَرُ الْمُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: ٢١] الْآيَةَ فَفِيهِ كُفْرَانُ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَقَطْعٌ لِهَذِهِ الْمَوَدَّةِ، وَالرَّحْمَةِ الَّتِي بِهَا مَصَالِحُ الدِّينِ، وَالدُّنْيَا فَهَذِهِ جِهَةُ حَظْرِهِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْحَظْرِ، وَالْمَشْرُوعِيَّةِ مِنْ جِهَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَكِنَّ جِهَةَ الْحَظْرِ تَنْدَفِعُ بِالْحَاجَةِ كَكِبَرٍ أَوْ رِيبَةٍ أَوْ دَمَامَةِ خِلْقَةٍ أَوْ تَنَافُرِ طِبَاعٍ بَيْنَهُمَا أَوْ إرَادَةِ تَأْدِيبٍ أَوْ عَدَمِ قُدْرَةٍ عَلَى الْإِقَامَةِ بِحُقُوقِ النِّكَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَبِالْحَاجَةِ تَتَمَحَّضُ جِهَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَتَزُولُ جِهَةُ الْحَظْرِ وَبِدُونِهَا تَبْقَى الْجِهَتَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ وَإِيذَائِهَا وَإِيذَاءِ أَهْلِهَا وَأَوْلَادِهِ مِنْهَا بِلَا حَاجَةٍ وَلَا سَبَبٍ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: ٣٤] أَيْ فَلَا تَطْلُبُوا الْفِرَاقَ وَعَلَيْهِ الْحَدِيثُ «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» أَيْ أَبْغَضُ الْمَشْرُوعِ الطَّلَاقُ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِمَعْنَى عَدَمِ حُرْمَتِهِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ مَبْغُوضًا كَمَا مَرَّ عَنْ الشُّمُنِّيِّ أَوْ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ إبَاحَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَعْنِي أَوْقَاتَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَقَوْلُهُمْ: الْأَصْلُ فِيهِ الْحَظْرُ، وَالْإِبَاحَةُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ فَإِنَّ إبَاحَتَهُ مِنْ جِهَةٍ وَحَظْرَهُ مِنْ جِهَةٍ وَلَيْسَتْ جِهَةُ الْإِبَاحَةِ خَاصَّةً بِالْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ هِيَ مُطْلَقَةٌ فَكُلُّ دَاعٍ إلَى الْخَلَاصِ مِمَّا هُوَ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا مِنْ الْأَعْذَارِ رَافِعٌ لِجِهَةِ الْحَظْرِ وَمُمَحِّضٌ لِجِهَةِ الْإِبَاحَةِ وَالْمَشْرُوعِيَّةِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْيِيدِ الْحَاجَةِ بِالْكِبَرِ، وَالرِّيبَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا لِمُنَافَاتِهِ إثْبَاتَ جِهَةِ الْحَظْرِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا لَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ وَيُنْسَبُ فَاعِلُهُ إلَى الْحُمْقِ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرَانِ النِّعْمَةِ، وَالْإِيذَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَيْسَتْ جِهَةُ الْحَظْرِ سَاقِطَةً بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْبَحْرِ وَلِذَا كَانَ أَبْغَضَ الْحَلَالِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ فَإِنَّ هَذَا الْأَصْلَ سَاقِطٌ وَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِجُزْءِ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ، وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَارْتَفَعَ هَذَا الْأَصْلُ لِحَاجَةِ التَّوَالُدِ، وَالتَّنَاسُلِ وَبَقَاءِ الْعَالَمِ أَمَّا الْأَصْلُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>