يُفِيدُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَظْرُ وَتُرِكَ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَصَارَ الْحِلُّ هُوَ الْمَشْرُوعُ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ صَاحِبِ كَشْفِ الْأَسْرَارِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّوَالُدِ، وَالتَّنَاسُلِ فَهَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَحْظُورٌ فَالْحَقُّ إبَاحَتُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَاجَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: يُسْتَحَبُّ طَلَاقُهَا إذَا كَانَتْ سَلِيطَةً مُؤْذِيَةً أَوْ تَارِكَةً لِلصَّلَاةِ لَا تُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ.
وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَيْهَا وَلِذَا قَالُوا فِي الْفَتَاوَى لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقُولُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ فِي ضَرْبِهَا عَلَى تَرْكِهَا رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا قَاضِي خَانْ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُبَاحٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ حَرَامٌ بِدْعِيٌّ وَيَكُونُ وَاجِبًا إذَا فَاتَ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا فِي امْرَأَةِ الْمَجْبُوبِ، وَالْعِنِّينِ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَلِذَا قَالُوا إذَا فَاتَهُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فَوَجَبَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَأَمَّا شَرْطُهُ فِي الزَّوْجِ فَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَفِي الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَتَهُ أَوْ فِي عِدَّتِهِ الَّتِي تَصْلُحُ مَعَهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الطَّلَاقِ لَا الْمُعْتَدَّةُ بِعِدَّةِ الْوَطْءِ، وَالْخَلْوَةِ وَحَاصِلُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الَّتِي هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ هِيَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ عَنْ طَلَاقٍ أَوْ بَعْدَ تَفْرِيقِ الْقَاضِي بِإِبَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا فَقَطْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي هَاتَيْنِ وَلَا يَقَعُ فِي الْعِدَّةِ عَنْ فَسْخٍ بِحُرْمَةٍ مُؤَبَّدَةٍ كَمَا إذَا اعْتَرَضَتْ الْحُرْمَةُ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ وَكَذَا عَنْ فَسْخٍ بِحُرْمَةٍ غَيْرِ مُؤَبَّدَةٍ كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الْعِتْقِ، وَالْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَسَبْيِ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجِرَتِهِ إلَيْنَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي بَحْثِ خِيَارِ الْبُلُوغِ بِأَنَّ الْأَوْجَهَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْعِدَّةِ وَنَبَّهْنَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ فَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ عَدَمِهِ وَزَادَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِهِ شَرْطَ الرُّكْنِ وَهُوَ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ اسْتِثْنَاءٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلطَّلَاقِ انْتِهَاءُ غَايَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ لَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَوُقُوعُ الْفُرْقَةِ مُؤَجَّلًا إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ وَأَمَّا مَحَاسِنُهُ فَالتَّخَلُّصُ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الدِّينِيَّةِ، وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ طَلَاقَ الدَّوْرَ وَاقِعٌ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ آخِرِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا أَقْسَامُهُ فَثَلَاثَةٌ: حَسَنٌ، وَأَحْسَنُ، وَبِدْعِيٌّ
ــ
[منحة الخالق]
الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ بَاقٍ لَمْ يَسْقُطْ بِالْكُلِّيَّةِ فَبَيْنَ الْأَصْلَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ لِمَا قُلْنَا مِنْ بَقَاءِ الْحَظْرِ إذَا كَانَ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ طَلَاقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى فِعْلِهِ بِلَا سَبَبٍ أَصْلًا بِأَنْ يَكُونَ لَغْوًا وَعَبَثًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا تَحْقِيقُ الْمَقَامِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا كَرَاهَةُ مُعَاشَرَةِ مَنْ لَا تُصَلِّي وَلَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةُ (قَوْلُهُ: هِيَ كُلُّ مُعْتَدَّةٍ عَنْ طَلَاقٍ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ اللِّعَانُ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَهُوَ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَ ارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ أَوْ هِيَ وَلَمْ يُطَلِّقْ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاءِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي عِدَّةٍ عَنْ فَسْخٍ إلَّا فِي هَاتَيْنِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ الْفَسْخُ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْآبِي كَانَ إبَاؤُهُ طَلَاقًا لَا فَسْخًا.
وَفِي مَسْأَلَةِ الرِّدَّةِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدُّ فَفِي كَوْنِهِ فَسْخًا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا رِدَّتُهَا فَفَسْخٌ اتِّفَاقًا هَذَا وَلَكِنْ سَيَأْتِي فِي آخِرِ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ فَإِنْ عَادَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَقَعَ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَنَقَلَ هُنَاكَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَا يَقَعُ عَلَى الْآخَرِ طَلَاقُهُ وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا فِي الْحَرْبِيَّةِ إذَا خَرَجَتْ مُسْلِمَةً ثُمَّ خَرَجَ زَوْجُهَا بِأَمَانٍ فَطَلَّقَهَا لَا يَقَعُ. . إلَخْ رَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: وَسَبْيُ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجِرَتُهُ إلَيْنَا) إنَّمَا لَا يَقَعُ فِيهِمَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْمَسْبِيَّ، وَالْمُهَاجِرَ إنْ كَانَ الزَّوْجَ فَلَا عِدَّةَ عَلَى زَوْجَتِهِ الْحَرْبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةَ فَكَذَلِكَ لِحِلِّهَا لِلسَّابِي بِاسْتِبْرَاءٍ إنْ كَانَتْ مَسْبِيَّةً، وَإِنْ كَانَتْ مُهَاجِرَةً فَكَذَلِكَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَهِيَ عِدَّةٌ لَا تُوجِبُ مِلْكَ يَدٍ فَكَانَتْ كَالْعِدَّةِ فِي الْفَاسِدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَزَادَ بَعْدَهُ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الزَّوْجَانِ مُسْتَأْمِنَيْنِ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا فَهِيَ امْرَأَتُهُ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا فَتَقَعَ الْفُرْقَةُ بِلَا طَلَاقٍ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ لِأَنَّ الْمُصِرَّ مِنْهُمَا كَأَنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرُّجُوعِ اهـ.
وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ تَسَامُحٌ إذْ قَوْلُهُ: وَسَبْيُ أَحَدِهِمَا وَمُهَاجِرَتُهُ يُشْعِرُ بِوُجُودِ الْعِدَّةِ فِيهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ طَلَاقَ الدَّوْرِ وَاقِعٌ) أَيْ بِكَوْنِ التَّخَلُّصِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَحَاسِنِهِ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ وَإِلَّا لَفَاتَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ تَأَمَّلْ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهَا: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ وَاقِعٌ إجْمَاعًا كَمَا حَرَّرَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى فَلَوْ حَكَمَ بِعَدَمِهِ حَاكِمٌ لَا يَنْفُذُ أَصْلًا وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قُلْت وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطًا فِي الْفَصْلِ الْآتِي بَعْدَ بَابِ الصَّرِيحِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute