وَأَمَّا أَلْفَاظُهُ فَثَلَاثَةٌ صَرِيحٌ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَكِنَايَةٌ وَسَيَأْتِيَانِ.
قَوْلُهُ: (تَطْلِيقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا أَحْسَنُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا مَعَ أَنَّهُ أَبْغَضُ الْحَلَالِ وَهَذَا أَحَدُ قِسْمَيْ الْمَسْنُونِ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَمَعْنَى الْمَسْنُونِ هُنَا مَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ عِتَابًا لَا أَنَّهُ الْمُسْتَعْقِبُ لِلثَّوَابِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ فَالْمُرَادُ هُنَا الْمُبَاحُ نَعَمْ لَوْ وَقَعَتْ لَهُ دَاعِيَةٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِدْعِيًّا فَمَنَعَ نَفْسَهُ إلَى وَقْتِ السُّنِّيِّ يُثَابُ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ لَا عَلَى نَفْسِ الطَّلَاقِ كَكَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الزِّنَا مَثَلًا بَعْدَ تَهْيِئِ أَسْبَابِهِ وَوُجُودِ الدَّاعِيَةِ فَإِنَّهُ يُثَابُ لَا عَلَى عَدَمِ الزِّنَا لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ الْكَفُّ لَا الْعَدَمُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ: إنَّمَا كَانَ هَذَا الْقِسْمُ أَحْسَنَ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ بِكَرَاهَتِهِ لِانْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِالْوَاحِدَةِ قَيَّدَ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا بِكَلِمَةِ وَاحِدَةٍ بِدْعِيٌّ وَمُتَفَرِّقًا لَيْسَ بِأَحْسَنَ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْوَاحِدَةَ الْبَائِنَةَ بِدْعِيٌّ فَالْمُرَادُ بِالْوَاحِدَةِ هُنَا الرَّجْعِيَّةُ وَقَيَّدَ بِالطُّهْرِ لِأَنَّهُ فِي الْحَيْضِ بِدْعِيٌّ وَقَيَّدَ بِعَدَمِ الْوَطْءِ لِأَنَّهُ فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ بِدْعِيٌّ لِوُقُوعِ النَّدَمِ بِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بَعْدَ ظُهُورِ حَمْلِهَا لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَصَرَّحَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ لَكِنْ وَطِئَ فِي الْحَيْضِ قَبْلَهُ يَكُونُ بِدْعِيًّا لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَعُلِمَ مِنْ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الطُّهْرِ لَا طَلَاقَ فِيهِ وَلَا فِي بَعْضِهِ جِمَاعٌ وَلَا طَلَاقَ فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ: الْأَحْسَنُ تَطْلِيقُهَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ وَلَا طَلَاقَ فِيهِ وَلَا فِي حَيْضَةِ جِمَاعٌ وَلَا طَلَاقٌ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لَكَانَ أَحْسَنَ.
فَإِنْ قُلْت عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَطْئِهِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَأَيُّ الْعِبَارَتَيْنِ أَوْلَى قُلْت يَرِدُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا شَيْءٌ أَمَّا عَلَى الْكَنْزِ فَالزِّنَا فَإِنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ غَيْرُهُ بِزِنًا فَإِنَّهُ سُنِّيٌّ مَعَ أَنَّهُ مَا خَلَا عَنْ الْوَطْءِ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى الْمَجْمَعِ فَوَطِئَ غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا هُوَ وَإِنَّمَا جَامَعَهَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ بِدْعِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمُصَنِّفُ الزِّنَا وَيَزِيدَ فِي الْمَجْمَعِ وَلَا غَيْرُهُ بِشُبْهَةٍ وَخَرَجَ الْحَسَنُ بِقَوْلِهِ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهَا وَمَعْنَاهُ التَّرْكُ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ آخَرَ لَا التَّرْكُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا لَا يَخْرُجُ الطَّلَاقُ عَنْ كَوْنِهِ أَحْسَنَ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَلَكِنْ وَطِئَهَا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ زِنًا وَقَعَ فِي هَذَا الطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ بِشُبْهَةٍ لَمْ يَقَعْ.
قَوْلُهُ: (وَثَلَاثًا فِي أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَسَنِ، وَالْأَحْسَنِ سُنِّيٌّ، فَتَخْصِيصُ هَذَا بِاسْمِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَا وَجْهَ لَهُ، وَالْمُنَاسِبُ تَمْيِيزُهُ بِالْمَفْضُولِ مِنْ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا خَصُّوهُ بِاسْمِ السُّنَّةِ لِمَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي وَاقِعَةِ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ قَدْ أَخْطَأْت السُّنَّةَ السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ فَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً» وَخَصُّوا الْأَوَّلَ بِاسْمِ الْأَحْسَنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَزِيدُوا فِي الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ حِينَ تَمْضِي عِدَّتُهَا وَأَنَّ هَذَا أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْأَطْهَارُ خَالِيَةً عَنْ الْجِمَاعِ فِيهَا، وَفِي حَيْضٍ قَبْلَهَا، وَعَنْ طَلَاقٍ فِيهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُخْرِجُهُ عَنْ السُّنَّةِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَسَيَذْكُرُ حُكْمَهَا.
وَالتَّطْلِيقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ صَادِقٌ بِكَوْنِهِ فِي أَوَّلِهِ، وَفِي آخِرِهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ الْأَوْلَى التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَقِيبَ الطُّهْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْإِيقَاع رُبَّمَا يُجَامِعُهَا وَمِنْ قَصْدِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَكِنَّ مَشَايِخَنَا إنَّمَا خَصُّوهُ بِاسْمِ السُّنَّةِ لِمَا أَنَّهُ وَرَدَ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَوْ قِيلَ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الْحُسْنَ بِهَذَا لِيُعْلَمَ أَنَّهُ فِي الْأَحْسَنِ سُنِّيٌّ بِالْأَوْلَى لَكَانَ فِي الْجَوَابِ أَوْلَى اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الشرنبلالية بِزِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَحْسَنَ سُنِّيٌّ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْرِيحِ بِكَوْنِهِ سُنِّيًّا وَصَرَّحَ بِكَوْنِ الْحَسَنِ سُنِّيًّا لِدَفْعِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ لَا لِأَنَّهُ عِنْدَنَا سُنِّيٌّ دُونَ الْأَوَّلِ كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute