أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ وَهُوَ بِدْعِيٌّ أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِمَا ذَكَرَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ إلَى آخِرِهِ رُبَّمَا فَجَأَهَا الْحَيْضُ قَبْلَ التَّطْلِيقِ فَيَفُوتُ مَقْصُودُهُ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ حِضْت فَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ امْتَدَّ طُهْرُهَا الَّذِي جَامَعَهَا فِيهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ كَتَبَ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ إذَا حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ شَاءَ أَوْجَزَ فَكَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ فَيَقَعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ كَتَبَ إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا ثُمَّ أَهَلَّ شَهْرٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ اهـ.
وَهَذِهِ الْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاجِبَةٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ يَكْتُبُ إلَيْهَا: إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَعَلِمْت مَا فِيهِ ثُمَّ حِضْت وَطَهُرْت فَأَنْت طَالِقٌ وَتِلْكَ الرِّوَايَةُ أَحْوَطُ اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ امْتَدَّ طُهْرُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَمْ يُجَامِعْهَا فِي ذَلِكَ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ لَهَا إذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ حِضْت فَطَهُرْت فَإِنَّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا فِي طُهْرِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُقَالَ جَازَ أَنْ تَكُونَ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي غَيْبَتِهِ وَهُوَ بَعِيدُ الْوُقُوعِ وَأَمَّا الزِّنَا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لَهَا: إذَا طَهُرْت مِنْ حَيْضَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَطَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مُنْذُ طَلَّقَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ طَلُقَتْ لِأَنَّ الْحَيْضَ تَمَّ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا الْوَلَدُ رَجْعَةٌ. اهـ.
قَوْلُهُ: (وَثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعِيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي طُهْرٍ وَاحِد أَوْ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِدْعِيٌّ أَيْ مَنْسُوبٌ إلَى الْبِدْعَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْمُحَرَّمَةُ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعِصْيَانِهِ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْقِسْمِ مَا لَيْسَ حَسَنًا وَلَا أَحْسَنَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ مَا خَالَفَ قِسْمَيْ السُّنَّةِ فَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا لَوْ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَفَرِّقًا أَوْ وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ فَسَيُصَرِّحُ بِهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ الطَّلَاقَ بِالْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ وَلَا حَاجَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ أَنَّ الْبَائِنَةَ بِدْعِيَّةٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ نَاجِزًا وَيَشْهَدُ لَهَا «أَنَّ أَبَا رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، وَالْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ.
وَالْجَوَابُ تَجْوِيزُ أَنْ يَكُونَ أَبُو رُكَانَةَ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَنَّهُ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِحَالٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ إذْ ذَاكَ، وَالْخُلْعُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ وَلِذَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ كَمَا لَا يُكْرَهُ حَالَةَ الْحَيْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ الْعِوَضِ إلَّا بِهِ اهـ.
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يُبَاحُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ كَمَالِ الْأَلْفِ إلَّا بِالثَّلَاثِ حَيْثُ لَمْ تَرْضَ إلَّا بِهَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ثُلُثَ الْعِوَضِ حَاصِلٌ لَهُ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَةً جَبْرًا عَلَيْهَا فَيَفُوتُهُ كَمَالُ الْأَلْفِ لَا كُلُّهَا بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْلَعْهَا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَافْتَرَقَا وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالْأَدِلَّةِ عَلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَلِذَا قَالُوا: لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ الثَّلَاثَ بِفَمٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ طَلَّقَهَا وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَحَكَمَ بِبُطْلَانِهِ قَاضٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ لَمْ يَنْفُذْ وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بِبُطْلَانِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُلْعِ بِالرَّفْعِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ «أَنَّ أَبَا رُكَانَةَ» (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يُكْرَهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ ذَكَرَ الْحَدَّادِيُّ أَنَّ هَذَا رِوَايَةُ الْمُنْتَقَى، وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ يُكْرَهُ إيقَاعُهُ حَالَةَ الْحَيْضِ، وَالْكَلَامُ فِي الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ لِتَعْلِيلِ الْمُحِيطِ الْآتِي وَاسْتَدَلَّ فِي الْمِعْرَاجِ بِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] وَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَعُمُّ مَا لَوْ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوقِعَ الثَّلَاثَ لِتُحَصِّلَ الْأَلْفَ، وَمَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ بِمَا عَلِمْت عَلَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَجَازَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى مَنْ يَرَى عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ شَيْئًا لَوْ فَعَلَ فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَى الْكُلِّ فَتَدَبَّرْ.