طَلَاقِ مَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَا يَنْفُذُ اهـ.
وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِلسَّائِلِ الَّذِي جَاءَ يَسْأَلُهُ عَنْ الَّذِي طَلَّقَ ثَلَاثًا بِقَوْلِهِ: عَصَيْت رَبَّك وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَرْفُوعًا عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَانَتْ بِثَلَاثٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى» فَقَدْ أَفَادَ الْوُقُوعَ، وَالْعِصْيَانَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ إلَى الْخَلَاصِ هُوَ يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فَلَا يَكُونُ مَحْظُورًا دُفِعَ بِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاقِعٌ لِحَاجَةِ لُزُومِ فَسَادِ الدِّينِ، وَالدُّنْيَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضْرَارٌ أَوْ كُفْرَانٌ بِلَا حَاجَةٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبِدْعَةَ فِي الْجَمْعِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ رَجْعَةٌ فَإِنْ تَخَلَّلَتْ فَلَا يُكْرَهُ إنْ كَانَتْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِنَحْوِ الْقُبْلَةِ، وَاللَّمْسِ عَنْ شَهْوَةٍ.
وَأَمَّا إذَا رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ هَذَا طُهْرٌ فِيهِ جِمَاعٌ، وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ وَأَعْلَقَهَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ لِلسُّنَّةِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ مِنْ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَهُوَ مُمْسِكٌ يَدَهَا بِشَهْوَةٍ وَقَعَتْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ مُتَعَاقِبًا لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ، وَالرَّجْعَةُ فَاصِلَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً لِلْحَالِ وَتَقَعُ ثِنْتَانِ فِي طُهْرَيْنِ آخَرَيْنِ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ غَيْرُ فَاصِلَةٍ اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَمَشَى عَلَيْهَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَقَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ فَاصِلَةً كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي تَخَلُّلِ الرَّجْعَةِ أَمَّا لَوْ تَخَلَّلَ النِّكَاحُ فَأَقْوَالٌ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْبِدْعَةُ اسْمٌ مِنْ الِابْتِدَاعِ كَالرِّفْعَةِ مِنْ الِارْتِفَاعِ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى مَا هُوَ نَقْصٌ فِي الدِّينِ أَوْ زِيَادَةٌ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهَا غَيْرَ مَكْرُوهٍ فَيُسَمَّى بِدْعَةً مُبَاحَةً وَهُوَ مَا شَهِدَ لِجِنْسِهِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ أَوْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ تَنْدَفِعُ بِهَا مَفْسَدَةٌ كَاحْتِجَابِ الْخَلِيفَةِ عَنْ اخْتِلَاطِ النَّاسِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ الْمَوْطُوءَةِ تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ وَلَوْ حَائِضًا) أَيْ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتْ حَائِضًا بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّغْبَةَ فِيهَا مُتَوَفِّرَةٌ مَا لَمْ يَذُقْهَا فَطَلَاقُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ يَقُومُ دَلِيلًا عَلَى تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَيْسَ هُوَ تَعْلِيلًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ أَعْنِي وَاقِعَةَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِأَنَّ فِيهِ «فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ» ، وَالْعِدَّةُ لَيْسَتْ إلَّا لِلْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَلْيُرَاجِعْهَا» ، وَالْمُرَاجَعَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا قَبْلَهُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الطَّلَاقِ مِنْ وَجْهَيْنِ سُنَّةٌ فِي الْوَقْتِ وَسُنَّةٌ فِي الْعَدَدِ فَالسُّنَّةُ فِي الْعَدَدِ يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ تَقَعُ لِلْحَالِ وَاحِدَةً سَوَاءٌ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ طَاهِرَةً وَلَا تَقَعُ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ بِالتَّزْوِيجِ ثَالِثًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ السُّنِّيَّ الْمُرَتَّبَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالسُّنَّةُ فِي الْوَقْتِ أَعْنِي الطُّهْرِ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ يَثْبُتُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا خَاصَّةً، وَالْخَلْوَةُ كَالدُّخُولِ عِنْدَنَا فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ وَمُرَاعَاةِ وَقْتِ السُّنَّةِ فِي الطَّلَاقِ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ، كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا.
(قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ) أَيْ فَرَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ عَلَى أَشْهُرِ الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَمْلٍ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي حَقِّهَا قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: ٤] إلَى أَنْ قَالَ: {وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] ، وَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّ الْحَيْضِ خَاصَّةً حَتَّى يُقَدَّرَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي حَقِّهَا بِالشَّهْرِ وَهُوَ بِالْحَيْضِ لَا بِالطُّهْرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْأَشْهُرَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ أَوْ مَقَامَ الْحَيْضِ لَا غَيْرُ وَتَصْحِيحُ الثَّانِي قَلِيلُ الْجَدْوَى لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْفُرُوعِ كَذَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَعْلَقَهَا) أَيْ أَحْبَلَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute