النِّكَاحِ، وَالْأُخْرَى فَاسِدَةُ النِّكَاحِ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ صَحِيحَةُ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَةٍ وَأَجْنَبِيَّةٍ، وَقَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَيْنَبُ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةُ النِّكَاحِ، وَالْأُخْرَى فَاسِدَةُ النِّكَاحِ فَقَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ طَلُقَتْ صَحِيحَةُ النِّكَاحِ، وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْأُخْرَى لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَن فُلَانَةَ الْيَوْمَ ثَلَاثًا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَيَمِينُهُ عَلَى التَّطْلِيقِ بِاللِّسَانِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ فُلَانَةَ الْيَوْمَ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَمَدْخُولَتُهُ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اهـ. فَالْأَجْنَبِيَّةُ مَحَلٌّ لَهُ فِي الْأَيْمَانِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُكْرَهًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُكْرَهًا عَلَى إنْشَاءِ الطَّلَاقِ لَفْظًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلَنَا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَا رَوَوْهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَلَا عُمُومَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيرُ الْحُكْمِ الشَّامِلِ لِحُكْمِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ بَلْ إمَّا حُكْمُ الدُّنْيَا وَإِمَّا حُكْمُ الْآخِرَةِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ مُرَادٌ فَلَا يُرَادُ الْآخِرَةُ مَعَهُ وَإِلَّا يَلْزَمُ عُمُومُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ فَوَكَّلَ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يَقَعُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ لِيُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الزَّوْجُ مَخَافَةَ الْحَبْسِ، وَالضَّرْبِ أَنْت وَكِيلٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَطَلَّقَ الْوَكِيلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ الْمُوَكِّلُ لَمْ أُوَكِّلْهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِي قَالُوا لَا يُسْمَعُ مِنْهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ جَوَابًا لِخِطَابِ الْأَمْرِ، وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِالْإِنْشَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْإِكْرَاهِ وَمُرَادُهُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ عَدَمُهُ دِيَانَةً لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ كَاذِبٌ وَقَعَ فِي الْقَضَاءِ اهـ.
وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ لَهُ فِي الدِّيَانَةِ إمْسَاكُهَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي كَذِبًا، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَبَرَ عَنْ الْمَاضِي أَوْ أَرَادَ بِهِ الْكَذِبَ أَوْ الْهَزْلَ وَقَعَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَاسْتَثْنَى فِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْوُقُوعِ قَضَاءً مَا إذَا شَهِدَ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِي يَتَّهِمُهُ فِي إرَادَتِهِ الْكَذِبَ فَإِذَا أَشْهَدَ قَبْلَهُ زَالَتْ التُّهْمَةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ كَالْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ وَقَيَّدَهُ الْبَزَّازِيُّ بِالْمَظْلُومِ إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ اسْتِحْلَافِ الظَّالِمِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثَ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَاذِبًا قَالَ يُصَدَّقُ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالطَّلَاقِ جَمِيعًا وَهَذَا صَحِيحٌ اهـ.
وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ عَلَى النُّطْقِ لِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَكَتَبَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ أُقِيمَتْ مُقَامَ الْعِبَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ هُنَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أُكْرِهَ عَلَى طَلَاقِهَا فَكَتَبَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ اهـ.
وَفِي الْخِزَانَةِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَجُمْلَةُ مَا يَصِحُّ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَيْئًا الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالْحَلِفُ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَظِهَارٍ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمِثْلُهُ الْعَتَاقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُمَا فِي ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الثَّلَاثَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ اسْتِحْسَانًا، وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ أَنَّ الْوُقُوعَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ اهـ. فَانْظُرْ إلَى عِلَّةِ الِاسْتِحْسَانِ فِي الطَّلَاقِ تَجِدْهَا فِي النِّكَاحِ فَيَكُونُ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ بِالْوُقُوعِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا لَكِنَّ مَا فِي الْفَتْحِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِمَا ادَّعَاهُ فِي الْهَازِلِ بَلْ فِي الْكَاذِبِ فَقَطْ لَكِنَّ الْهَازِلَ كَاذِبٌ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: وَقَعَ قَضَاءً وَدِيَانَةً) هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ هَازِلًا أَوْ كَاذِبًا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَذِبِ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمَاضِي وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الْفَتْحِ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا مُخَالَفَةَ نَعَمْ تَبْقَى الْمُخَالَفَةُ فِي الْهَازِلِ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ فِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ بِمِثْلِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْهَازِلَ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْهَزْلَ إنْ كَانَ فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ يُبْطِلُ الْهَزْلُ وَيَقَعُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسَبَبِهِ الَّذِي هُوَ مَلْزُومٌ لِلْحُكْمِ شَرْعًا وَلِذَا لَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ وَكَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ أَوَّلًا فَلَا يَثْبُتُ مَعَ الْهَزْلِ كَمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَقَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَكَمَا أَنَّهُ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقُ مُكْرَهًا كَذَلِكَ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِهِمَا هَازِلًا لِأَنَّ الْهَزْلَ دَلِيلُ الْكَذِبِ كَالْإِكْرَاهِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ سَبَبًا مُنْعَقِدًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ، وَالْبُطْلَانَ وَبِالْإِجَازَةِ لَا يَصِيرُ الْكَذِبُ صِدْقًا وَهَذَا بِخِلَافِ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ فِيهِ لِلْهَزْلِ عَلَى مَا سَبَقَ اهـ.