للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ؛ فَلِأَنَّ لُعَابَهُ نَجِسٌ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ لَحْمٍ نَجِسٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي التَّجْنِيسِ امْرَأَةٌ صَلَّتْ وَفِي عُنُقِهَا قِلَادَةٌ فِيهَا سِنُّ كَلْبٍ أَوْ أَسَدٍ أَوْ ثَعْلَبٍ فَصَلَاتُهَا تَامَّةً؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهَا الذَّكَاةُ وَكُلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ فَعَظْمُهُ لَا يَكُونُ نَجِسًا بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ اهـ.

وَكَذَا ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ أَسْنَانَ الْكَلْبِ طَاهِرَةً وَأَسْنَانَ الْآدَمِيِّ نَجِسَةً؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ يَقَعُ عَلَيْهِ الذَّكَاةُ بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِكَوْنِهِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ فَتَكُونُ أَسْنَانُهُ نَجِسَةً كَالْخِنْزِيرِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى أَسْنَانِ الْآدَمِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا، وَأَمَّا إذَا أَكَلَ مِنْ شَيْءٍ يُغْسَلُ ثَلَاثًا، وَيُؤْكَلُ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَطْهُرَ بِالْجَفَافِ قِيَاسًا عَلَى الْكَلَأِ إذَا تَنَجَّسَ، فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الطَّهَارَةُ فِي الْكَلَأِ بِالْجَفَافِ حَصَلَتْ اسْتِحْسَانًا بِالْأَثَرِ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْأَرْضِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا بَيْعُهُ وَتَمْلِيكُهُ فَهُوَ جَائِزٌ هَكَذَا نَقَلُوا وَأَطْلَقُوا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَالْخِنْزِيرِ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَالْخِنْزِيرِ لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ الْبُيُوعِ أَنَّ بَيْعَ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ جَائِزٌ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُعَلَّمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَفِي التَّجْنِيسِ مِنْ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ رَجُلٌ ذَبَحَ كَلْبَهُ ثُمَّ بَاعَ لَحْمَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ طَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ خِنْزِيرَهُ ثُمَّ بَاعَهُ. اهـ.

فَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ عَيْنِهِ وَذَكَرَ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى التَّجْرِيدِ أَنَّ الْكَلْبَ لَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ ضَمِنَهُ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَتَمْلِيكُهُ وَفِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي لَوْ اسْتَأْجَرَ الْكَلْبَ يَجُوزُ وَالسِّنَّوْرُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السِّنَّوْرَ لَا يُعْلَمُ وَنُقِلَ عَنْ التَّجْرِيدِ لَوْ اسْتَأْجَرَ كَلْبًا مُعَلَّمًا أَوْ بَازِيًا لِيَصِيدَ بِهِمَا فَلَا أُجْرَةَ لَهُ قَالَ لَعَلَّهُ لِفَقْدِ الْعُرْفِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ. اهـ.

وَهَذَا مَا تَيَسَّرَ التَّكَلُّمُ عَلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْكَلْبِ، وَهَذَا الْبَيَانُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ دُبِغَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَسْتَوِي أَنَّهُ يَكُونُ الدَّابِغُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً إذَا حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ الدِّبَاغِ، فَإِنْ دَبَغَهُ الْكَافِرُ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ يَدْبُغُونَ بِالسَّمْنِ النَّجِسِ، فَإِنَّهُ يُغْسَلُ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِيهِ مَسْأَلَةُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ إذَا كَانَ جِلْدُ حَيَوَانٍ مَأْكُولِ اللَّحْمِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ كَجِلْدِ الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] ، وَهَذَا جُزْءٌ مِنْهَا «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا مَعَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالدِّبَاغِ وَالِانْتِفَاعِ» ، وَأَمَّا إذَا كَانَ جِلْدُ مَا لَا يُؤْكَلُ كَالْحِمَارِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ فِيهِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ الذَّكَاةِ وَذَكَاتُهُ لَا تُبِيحُهُ فَكَذَا دِبَاغُهُ. اهـ.

وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَاتِ كُلُّهُ مَذْهَبُنَا وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ سَبْعَةُ مَذَاهِبَ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَنَقْتَصِرُ مِنْهَا عَلَى مَا اُشْتُهِرَ مِنْ الْمَذَاهِبِ مِنْهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ طَهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ مَا عَدَا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَدْخُلُ الْآدَمِيُّ فِي هَذَا الْعُمُومِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ أَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَجِلْدُهُ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ دَبْغٍ لَكِنْ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِحُرْمَتِهِ وَتَكْرِيمِهِ وَمِنْهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ شَيْءٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَمِنْهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ يَطْهُرُ الْجَمِيعُ حَتَّى الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ إلَّا أَنَّهُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْيَابِسِ دُونَ الرَّطْبِ وَجْهُ قَوْلِ أَحْمَدَ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] ، وَهُوَ عَامٌّ فِي الْجِلْدِ وَغَيْرِهِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ «أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْنِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: كَجِلْدِ الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: يَعْنِي فِي الْحِلِّ وَسَوَاءٌ فِيهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ كَنَحْوِ أَكْلِ تُرَابٍ لَا يَضُرُّ فَحِلُّ جِلْدِ الْمُذَكَّاةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحُرْمَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ كَذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ مِنْ الْمَأْكُولِ بَعْدَ الدِّبَاغَةِ وَالصَّحِيحُ حُرْمَتُهُ تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>