للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الدِّبَاغَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ وَوَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي شَاةٍ مَيِّتَةٍ هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ قَالَ إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا» وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخَرُ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَإِنَّمَا خَرَجَ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ أَقْوَى مِنْ الدِّبَاغِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا سَبَبٌ لِطَهَارَةِ الْجُمْلَةِ وَالدِّبَاغُ إنَّمَا يُطَهِّرُ الْجِلْدَ فَإِذَا كَانَتْ الْحَيَاةُ لَا تُطَهِّرُهُمَا فَالدِّبَاغُ أَوْلَى وَلَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ كَمَا تَرَاهُ عَامٌّ فَإِخْرَاجُ الْخِنْزِيرِ مِنْهُ لِمُعَارَضَةِ الْكِتَابِ إيَّاهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥] بِنَاءً عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَالِحٌ لِعَوْدِهِ وَعِنْدَ صَلَاحِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَضَايِفَيْنِ لِذَلِكَ يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَقَدْ جُوِّزَ عَوْدُ ضَمِيرِ مِيثَاقِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: ٢٧] إلَى كُلٍّ مِنْ الْعَهْدِ وَلَفْظِ الْجَلَالَةِ وَتَعَيَّنَ عَوْدُهُ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: ١١٤] ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْكَلَامِ وَإِلَى الْمُضَافِ فِي قَوْلِك رَأَيْت ابْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمْته؛ لِأَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ بِالرُّؤْيَةِ رَتَّبَ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَنْهُ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ فَتَعَيَّنَ هُوَ مُرَادًا بِهِ، وَإِلَّا اخْتَلَّ النَّظْمُ

فَإِذَا جَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا لُغَةً وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ احْتِيَاطٍ وَجَبَ إعَادَتُهُ عَلَى مَا فِيهِ الِاحْتِيَاطُ، وَهُوَ بِمَا قُلْنَا كَذَا قَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمِمَّا ظَهَرَ لِي فِي فُؤَادِي مِنْ الْأَنْوَارِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْأَجْوِبَةِ الْإِلْهَامِيَّةِ أَنَّ الْهَاءَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى اللَّحْمِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥] خَرَجَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيلِ، فَلَوْ رَجَعَ إلَيْهِ لَكَانَ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ فَاسِدٌ لِكَوْنِهِ مُصَادَرَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ لَحْمِهِ عُرِفَتْ مِنْ قَوْلِهِ {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: ١٤٥] ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الشَّيْءِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ لَا لِلْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَاهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَحْمَ خِنْزِيرٍ نَجِسٍ، فَإِنَّ لَحْمَهُ نَجِسٌ أَمَّا إذَا رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى الْخِنْزِيرِ فَلَا فَسَادَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ حَاصِلُ الْكَلَامِ لَحْمَ خِنْزِيرٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ نَجِسٌ يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْجُزْءَ مِنْ الْخِنْزِيرِ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ كُلَّهُ نَجِسٌ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي الْبَابِ لِأُولِي الْأَلْبَابِ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ شَارِحٌ مُتَأَخِّرُ بِأَنَّهُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ بِمَعْزِلٍ عَنْ الصَّوَابِ، وَكَيْفَ لَا وَالْجَرْيُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ مِمَّا يَسُدُّ بَابَ التَّعْلِيلِ بِالْأَوْصَافِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْأَحْكَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ عَلَامَةً عَلَى شَيْءٍ أَنْ لَا يَصِحَّ التَّصْرِيحُ بِكَوْنِ الشَّيْءِ الثَّانِي عِلَّةً لِلشَّيْءِ الْأَوَّلِ بِجَعْلِ الشَّارِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ يُصَحِّحُ التَّصْرِيحَ بِكَوْنِهِ عِلَّةً، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ قَطْعًا، وَلِنُوَضِّحهُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَنَقُولُ قَوْلُهُ إنَّهُ رِجْسٌ تَعْلِيلٌ لِلتَّحْرِيمِ وَكَوْنُ التَّحْرِيمِ لَا لِلتَّكْرِيمِ عَلَامَةً عَلَى نَجَاسَةِ الْمُحَرَّمِ كَمَا هُنَا يُصَحِّحُ التَّصْرِيحَ بِكَوْنِهِ نَجِسًا عِلَّةً لِتَحْرِيمِهِ لَا أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعْلِيلُ النَّجَاسَةِ بِالنَّجَاسَةِ بَلْ تَعْلِيلُ التَّحْرِيمِ الْكَائِنِ لَا لِلتَّكْرِيمِ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ لَهُ قَائِمٍ بِالْعَيْنِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهُوَ الْقَذَارَةُ حَثًّا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْتِزَامِ الْمُرُوءَةِ بِمُجَانَبَةِ الْأَقْذَارِ وَالنَّزَاهَةِ مِنْهَا وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا} [النساء: ٢٢] فَقَوْلُهُ {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا} [النساء: ٢٢] تَعْلِيلٌ لِتَحْرِيمِ نِكَاحِ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ مَعَ أَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِهِنَّ عَلَامَةٌ عَلَى قُبْحِهِ مَمْقُوتًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ عِلَّةً لَهُ اهـ.

وَهُوَ كَمَا تَرَى فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ أَحْمَدَ أَمَّا عَلَى الْآيَةِ، فَهُوَ أَنَّهَا عَامَّةٌ خَصَّتْهَا السُّنَّةُ كَذَا أَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَمَّا عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: رُتِّبَ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ.

وَقَوْلُهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي أَيْ، وَهُوَ قَوْلُهُ فَكَلِمَتُهُ نَائِبُ فَاعِلٍ رُتِّبَ (قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ شَارِحٌ مُتَأَخِّرٌ) أَقُولُ: هُوَ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ مُحَمَّدُ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيّ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>