إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ غَدًا كَانَتْ الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَقَالَ زُفَرُ: الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ فِي الْفَصْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمْسِ وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ لَغْوٌ) بَيَانٌ لِلْمُضَافِ إلَى زَمَنٍ مَاضٍ بَعْدَ بَيَانِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ فَصَارَ كَقَوْلِهِ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ أَوْ مَجْنُونٌ وَكَانَ جُنُونُهُ مَعْهُودًا وَإِلَّا طَلُقَتْ لِلْحَالِ قَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْت حُرٌّ أَمْسِ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ عَتَقَ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ أَوَّلًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِالتَّزَوُّجِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُقَدِّمَ الْجَزَاءَ أَوْ يُؤَخِّرَهُ فَإِنْ قَدَّمَهُ فَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَجْعَلَ الْقَبْلِيَّةَ مُتَوَسِّطَةً كَقَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك إذَا تَزَوَّجْت بِك.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا كَقَوْلِهِ: أَنْت طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك، وَفِيهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا وَتَلْغُو الْقَبْلِيَّةَ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ تَمَّ الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ فَصَحَّ التَّعْلِيقُ وَبِقَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك قَصَدَ إبْطَالَهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وَصْفًا لِلْجَزَاءِ لَا يَلِيقُ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَيُلْغَى وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَالتَّعْلِيقُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْإِضَافَةِ قَبْلَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ إنْ دَخَلْتِيهَا تَعَلَّقَ بِدُخُولِهَا وَلَغَا قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ ذِكْرَ الْفَاءِ رَجَّحَ جِهَةَ الشَّرْطِيَّةِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ تَقْدِيمِ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرِهِ وَهُمَا فَرَّقَا، وَفِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَا يُقَالُ بِأَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك كَلَامُ لَغْوِ، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَ الشَّرْطِ، وَالْمَشْرُوطِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالتَّزَوُّجِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَغْوٌ بَلْ تَصْرِيحٌ بِمَا انْتَظَمَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنُهُ إيقَاعًا فِي الْحَالِ إدْخَالَ وُجُودِ الْقَوْلِ مِنْهُ بِوَصْفٍ بِكَوْنِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْكُوحَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ السَّاعَةَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ أَوْ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي الدَّارَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لِأَنَّ قَوْلَهُ السَّاعَةَ وَقَبْلَ أَنْ تَدْخُلِي تَصْرِيحٌ بِمَا اقْتَضَاهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ هُنَاكَ فَاصِلًا يَتَنَجَّزُ وَهُنَا لَوْ جَعَلَ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَاصِلًا يَلْغُو فَكَانَ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ غَيْرَ فَاصِلٍ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ بَعْدَ فُلَانَةَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَهُمَا كَمَا قَالَ: طَلُقَتَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى تَزَوُّجِهِمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ فُلَانَةَ أَيْ بَعْدَ تَزَوُّجِ فُلَانَةَ فَصَارَ تَزَوُّجُ فُلَانَةَ مَذْكُورًا ضَرُورَةً وَقَدْ تَزَوَّجَهُمَا كَمَا شَرَطَ فَوُجِدَ الشَّرْطُ فَنَزَلَ الطَّلَاقُ، وَإِنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ قَبْلَ فُلَانَةَ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ الْأُولَى طَلُقَتْ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي حَقِّهَا قَدْ وُجِدَ وَهُوَ الْقَبْلِيَّةَ لِأَنَّ وَصْفَ الشَّيْءِ بِالْقَبْلِيَّةِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ طَلُقَتْ أَيْضًا وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قَبْلَ عَمْرَةَ بِشَهْرٍ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ ثُمَّ عَمْرَةَ بَعْدَهَا بِشَهْرٍ طَلُقَتْ زَيْنَبُ لِلْحَالِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يَسْتَنِدُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانَةَ بِشَهْرٍ وَلَا تَطْلُقُ عَمْرَةُ لِأَنَّهُ أَضَافَ طَلَاقَ عَمْرَةَ إلَى شَهْرٍ قَبْلَ تَزَوُّجِهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قُبَيْلَ عَمْرَةَ فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ وَحْدَهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ قُبَيْلَ عِبَارَةٌ عَنْ سَاعَةٍ لَطِيفَةٍ يَتَّصِلُ بِهِ مَا ذُكِرَ عَقِيبَهُ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ بِعَمْرَةَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قُبَيْلَ اللَّيْلِ لَا تَطْلُقُ إلَّا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَوْ قَالَ قَبْلَ اللَّيْلِ تَطْلُقُ لِلْحَالِ فَإِنْ تَزَوَّجَ عَمْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ طَلُقَتْ زَيْنَبُ لَا عَمْرَةُ، وَإِنْ طَالَ مَا بَيْنَ التَّزَوُّجَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ إحْدَاهُمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ) لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا
ــ
[منحة الخالق]
يَعْنِي: يَقَعُ غَدًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا وَبَعْدَهُ بِالْوَاوِ، وَفِي أَوْ بَعْدَهُ بِأَوْ يَقَعُ بَعْدَ غَدٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قُبَيْلَ عَمْرَةَ. إلَخْ) اُنْظُرْ لِمَا يَأْتِي عَنْ التَّتِمَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ أَنَا مِنْك طَالِقٌ لَغْوٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute