للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ إذَا نَجَزَ وَاحِدَةً تَقَعُ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ وَقِيلَ تَقَعُ الثَّلَاثُ إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ إنْ وَطِئْت وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ فَوَطِئَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ اهـ.

وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزَةِ دُونَ الْمُعَلَّقَةِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: مَتَى دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتِ زَوْجَتِي فَعَبْدِي حُرٌّ قَبْلَهُ وَمَتَى دَخَلَهَا وَهُوَ عَبْدِي فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَدَخَلَا مَعًا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ وَلَمْ تَطْلُقْ الزَّوْجَةُ لِلُّزُومِ الدَّوْرِ.

لِأَنَّهُمَا لَوْ حَصَلَا لَحَصَلَا مَعًا قَبْلَ دُخُولِهِمَا وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ عَبْدَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ وَلَا الْمَرْأَةُ زَوْجَتَهُ وَقْتَئِذٍ فَلَا تَكُونُ الصِّفَةُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا حَاصِلَةً وَلَا يَتَأَتَّى فِي هَذَا الْقَوْلِ بُطْلَانُ الدَّوْرِ إذْ لَيْسَ فِيهَا سَدُّ بَابِ التَّصَرُّفِ وَلَوْ دَخَلَا مُرَتَّبًا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَسْبُوقِ دُونَ السَّابِقِ فَلَوْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَبْدُ عَتَقَ وَلَمْ تَطْلُقْ هِيَ لِأَنَّهُ حِينَ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا لَهُ فَلَمْ تَحْصُلْ صِفَةُ طَلَاقِهَا، وَإِنْ دَخَلَ الْعَبْدُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَرْأَةُ طَلُقَتْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي تَعْلِيقِهِ الْمَذْكُورِ لَفْظَةَ قَبْلُ فِي الظَّرْفَيْنِ وَدَخَلَا مَعًا عَتَقَ وَطَلَّقَتْ، وَإِنْ دَخَلَا مُرَتَّبًا فَكَمَا سَبَقَ اهـ.

وَفِيهِ وَلَوْ قَالَ إنْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ آلَيْت أَوْ لَاعَنْت أَوْ فَسَخْت النِّكَاحَ بِعَيْبٍ فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ صَحَّ وَلَغَا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) بَيَانٌ لِمَا إذَا أَضَافَ إلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَذِكْرُهُمْ إنْ وَإِذَا هُنَا بِالتَّبَعِيَّةِ وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ لَهُمَا التَّعْلِيقُ لَا الْإِضَافَةُ وَإِنَّمَا طَلُقَتْ بِالسُّكُوتِ لِأَنَّ " مَتَى " ظَرْفُ زَمَانٍ وَكَذَا مَا تَكُونُ مَصْدَرِيَّةً نَائِبَةً عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: ٣١] أَيْ مُدَّةَ دَوَامِ حَيَاتِي أَوْ مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا وَهِيَ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ لِلشَّرْطِ لَكِنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا هُنَا لِلْوَقْتِ وَلِذَا نُقِلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اتِّفَاقُ

ــ

[منحة الخالق]

عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَنْهُمْ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ أَوْ الْمُنَجَّزِ وَحْدَهُ، وَفِي مُغْنِي الْحَنَابِلَةِ لَا نَصَّ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ تَطْلُقُ بِالْمُنَجَّزِ لَا غَيْرُ اهـ.

ثُمَّ نُقِلَ عَنْ عِشْرِينَ إمَامًا مِنْ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْوَاقِعِ بِهِ وَقَالَ أَيْضًا وَبَالَغَ فِي تَخْطِئَةِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَاهِيك بِهِ جَلَالَةً وَمِنْ ثَمَّ لُقِّبَ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ، وَعِبَارَتُهُ كَمَا حَكَاهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَصِحُّ فِيهَا التَّقْلِيدُ، وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا فُسُوقٌ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْإِجْمَاعَ أَوْ النَّصَّ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي يُنْقَضُ فَأَوْلَى إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَإِذَا لَمْ يُقَرَّ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ هَلَاكٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا بَيَانٌ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الصَّلَاحِ: ابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مَا نُسِبَ إلَيْهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ، وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ بَابُ الطَّلَاقِ بَلْ يَقَعُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي كَمِّيَّةِ الْوَاقِعِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ: وَبَالَغَ السُّرُوجِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: الْقَوْلُ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ يُشْبِهُ مَذَاهِبَ النَّصَارَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِلزَّوْجِ إيقَاعُ طَلَاقٍ عَلَى زَوْجَتِهِ مُدَّةَ عُمُرِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْكَمَالُ بْنُ الرَّدَّادِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَالشَّامِيَّةِ وَهُوَ الْقَوِيُّ فِي الدَّلِيلِ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا حَاصِلُ مَا أَرَدْت تَلْخِيصَهُ مِنْ مُؤَلَّفِ ابْنِ حَجَرٍ وَتَقَدَّمَ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ تَقْوِيَةُ الْقَوْلِ بِالْوُقُوعِ وَنَقَلَ الْغَزِّيِّ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّلَاقِ رَدَّ الْقَوْلِ بِخِلَافِهِ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا لَا يَقَعُ أَبَدًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا مِثْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ.

وَهَذَا قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ مُخَالِفٌ لِأَهْلِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمُكَلَّفِ وَاقِعٌ.

وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ قَيْدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ» ، وَعَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَسَأَلَهُ عَنْ طَلَاقِ الدَّوْرِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَالَ بِطَلَاقِ الدَّوْرِ فَقَدْ أَضَلَّ أُمَّتِي فَقَالَ لَا يُقْبَلُ مِنِّي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَلَيْك إلَّا الْبَلَاغَ ثُمَّ بَحَثَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى بُطْلَانِهِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَبَقَاءِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لَا يُنَفَّذُ حُكْمُهُ وَيَجِبُ عَلَى حَاكِمٍ آخَرَ تَفْرِيقُهُمَا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعَدُّ خِلَافًا لِأَنَّهُ قَوْلٌ مَجْهُولٌ بَاطِلٌ فَاسِدٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ اهـ. إلَى هُنَا كَلَامُ الْمِنَحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>