للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْتِبَارِ الْمَظْرُوفِ فِيمَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى الِاعْتِبَارَيْنِ فَفِي أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ فَقَدِمَ لَيْلًا لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا اتِّفَاقًا، وَفِي أَنْت حُرٌّ يَوْمَ يَرْكَبُ زَيْدٌ فَرَكِبَ لَيْلًا عَتَقَ اتِّفَاقًا، وَمَنْ اعْتَبَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ دُونَ الْمَظْرُوفِ إنَّمَا اعْتَبَرَهُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فَعَلَى هَذَا فَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ، وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِمَا وَلِذَا اعْتَبَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْمَظْرُوفَ حَيْثُ قَالَ، وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَاعْتَبَرَ فِي الْأَيْمَانِ الْمُضَافَ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِهِ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا، وَالْكَلَامُ فِيمَا لَا يَمْتَدُّ بِهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا حَكَاهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ مِنْ الْخِلَافِ وَهْمٌ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهَا وَعَلَيْهِ مَسَائِلُهُمْ لَيْسَ بِالْأَوْجَهِ وَأَنَّ مَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ اعْتِبَارُ الْجَوَابِ فَقَطْ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْجَوَابُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ الظَّرْفِ إفَادَةُ وُقُوعِ الْجَوَابِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مَظْرُوفًا أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذِكْرِ الظَّرْفِ ذَلِكَ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ لِيَتَعَيَّنَ الظَّرْفُ فَيَتِمُّ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْيِينِ زَمَنِ وُقُوعِ مَضْمُونِ الْجَوَابِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اعْتِبَارَ مَا قُصِدَ الظَّرْفُ لَهُ لِاسْتِعْلَامِ الْمُرَادِ مِنْ الظَّرْفِ أَهُوَ الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا لَمْ يُقْصَدْ لَهُ فِي اسْتِعْلَامِ حَالِهِ، وَفِي التَّلْوِيحِ إنَّمَا اُعْتُبِرَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ الْمَظْرُوفُ الْمَقْصُودُ وَمَظْرُوفٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ ضِمْنِيٌّ مَعْنًى لَا لَفْظًا ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت كَثِيرًا مَا يَمْتَدُّ الْفِعْلُ مَعَ كَوْنِ الْيَوْمِ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ مِثْلُ ارْكَبُوا يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْعَدُوُّ وَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاَللَّهِ يَوْمَ يَأْتِيكُمْ الْمَوْتُ وَبِالْعَكْسِ فِي مِثْلِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَصُومُ زَيْدٌ وَأَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ تُكْسَفُ الشَّمْسُ.

قُلْت الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَالْخُلُوِّ عَنْ الْمَوَانِعِ وَلَا يَمْتَنِعُ مُخَالَفَتُهُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حَمْلِ الْيَوْمِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ وَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَيُجْعَلُ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ مِنْ الْإِضَافَةِ مَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ حِينَ يَصُومُ أَوْ حِينَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ اهـ.

ثُمَّ لَفْظُ الْيَوْمِ يُطْلَقُ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ اتِّفَاقًا وَعَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا وَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى الْمَجَازِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ لِمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالنَّهَارَ مِنْ طُلُوعِهَا إلَى غُرُوبِهَا، وَاللَّيْلَ لِلسَّوَادِ خَاصَّةً وَهُوَ ضِدُّ النَّهَارِ فَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت لَيْلًا لَمْ تَطْلُقْ إنْ دَخَلَتْ نَهَارًا لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ عُرْفًا فَبَقِيَ اسْمًا لِسَوَادِ اللَّيْلِ وَضْعًا وَعُرْفًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: عَنَيْت بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ صُدِّقَ قَضَاءً لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَيُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَدِيَانَةً لِأَنَّ مَا صُدِّقَ فِيهِ قَضَاءً صُدِّقَ فِيهِ دِيَانَةً وَلَا يَنْعَكِسُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْيَوْمَ إنَّمَا يَكُونُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ فِيمَا لَا يَمْتَدُّ إذَا كَانَ الْيَوْمُ مُنَكَّرًا أَمَّا إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الَّتِي لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِبَيَاضِ النَّهَارِ وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَلَا غَدًا وَلَا بَعْدَ غَدٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي اللَّيَالِي وَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَدْخُلُ فِيهَا اللَّيَالِي اهـ.

وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ لِتَكْرَارِ حَرْفِ لَا، وَفِي الثَّانِي يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي التَّلْوِيحِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا دَخَلَتْ اللَّيْلَةُ قُلْت وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَتْبِعُ اسْمُ الْيَوْمِ اللَّيْلَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْمُنْفَرِدَ لَا يَسْتَتْبِعُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ اللَّيْلِ اهـ.

وَمِنْ فُرُوعِ الْإِضَافَةِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ وَنَحْوُهُ قَالَ

ــ

[منحة الخالق]

الْقَوْلَيْنِ جَزَمَهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ مَا يَمْتَدُّ زَمَانًا طَوِيلًا (قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ. . . إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا أُكَلِّمُك الْيَوْمَ لَمَّا كَانَتْ (الـ) فِيهِ لِلْعَهْدِ الْحُضُورِيِّ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ الْحَاضِرِ فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَهُ لَيْلًا لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِمَعْنَى لَا أُكَلِّمُك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَخَلَ فِيهِ اللَّيْلُ، وَفِي النَّهْرِ: لَوْ خَرَجَ الْفَرْعُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ مِمَّا يَمْتَدُّ لَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّقْيِيدِ اهـ.

وَمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ أَظْهَرُ لِاقْتِضَائِهِ التَّقْيِيدَ بِبَيَاضِ النَّهَارِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْكَلَامَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ بِخِلَافِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي النَّهْرِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّقْيِيدِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>