للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قَوْلُهُ، وَهُوَ مِنْ قُصَاصِ الشَّعْرِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ) أَيْ الْوَجْهُ وَقُصَاصُ الشَّعْرِ مَقْطَعُهُ وَمُنْتَهَى مَنْبَتِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ أَوْ حَوَالَيْهِ، وَهُوَ مُثَلَّثُ الْقَافِ وَالضَّمُّ أَعْلَاهَا وَفِي الصِّحَاحِ ذَقَنُ الْإِنْسَانِ مُجْتَمَعُ لَحْيَيْهِ. اهـ.

وَاللَّحْيُ مَنْبِتُ اللِّحْيَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ لَحَوِيٌّ، وَهُمَا لِحْيَانَ وَثَلَاثَةُ أَلْحٍ عَلَى أَفْعِلَ إلَّا إنَّهُمْ كَسَرُوا الْحَاءَ لِتَسْلَمَ الْيَاءُ وَالْكَثِيرُ لُحَيٌّ عَلَى فُعُولٍ وَفِي الْمُغْرِبِ اللَّحْيُ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ. اهـ.

وَهَذَا الْحَدُّ لِلْوَجْهِ مَرْوِيٌّ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ، وَلَمْ يُذْكَرْ حَدُّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهَذَا تَحْدِيدٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ تَحْدِيدُ الشَّيْءِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ اسْمٌ لِمَا يُوَاجِهُ بِهِ الْإِنْسَانُ أَوْ مَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ فِي الْعَادَةِ وَالْمُوَاجَهَةُ تَقَعُ بِهَذَا الْمَحْدُودِ فَوَجَبَ غَسْلُهُ قَبْلَ نَبَاتِ الشَّعْرِ، فَإِذَا نَبَتَ الشَّعْرُ يَسْقُطُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ كَثِيفًا كَانَ الشَّعْرُ أَوْ خَفِيفًا؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ خَرَجَ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَاجَهُ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ شَعْرِ الْحَاجِبِينَ وَالشَّارِبِ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِالْخَفِيفَةِ الَّتِي لَا تُرَى بَشَرَتُهَا أَمَّا الَّتِي تُرَى بَشَرَتُهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ شَعْرِ الشَّارِبِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَبْدُو مَنَابِتُ الشَّعْرِ، وَقَدْ جَعَلَهُ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ الْآدَابِ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي بَابِ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِي بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ كَالْحَاجِبِينَ، وَأَمَّا الشَّفَةُ فَقِيلَ تَبَعٌ لِلْفَمِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: مَا انْكَتَمَ عِنْدَ انْضِمَامِهِ فَهُوَ تَبَعٌ لَهُ وَمَا ظَهَرَ فَلِلْوَجْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى لَا تُغْسَلُ الْعَيْنُ بِالْمَاءِ وَلَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُغْمِضًا عَيْنَيْهِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ: إنَّ غَمْضَ عَيْنَيْهِ شَدِيدًا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ فَرَمِصَتْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ تَحْتَ الرَّمَصِ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُغْرِبِ الرَّمَصُ مَا جَمَدَ مِنْ الْوَسَخِ فِي الْمُوقِ وَالْمُوقُ مُؤْخِرُ الْعَيْنِ وَالَمَاقُ مَقْدِمُهَا اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا يَدْخُلُ فِي حَدِّ الْوَجْهِ النَّزَعَتَانِ، وَهُوَ مَا انْحَسَرَ مِنْ الشَّعْرِ مِنْ جَانِبَيْ الْجَبْهَةِ إلَى الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ اهـ.

وَالنَّزَعَةُ بِالْفَتْحِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ مِنْ الْوَجْهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا كَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ

وَفِي تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ قُصَاصِ الشَّعْرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَحَدُّ الْوَجْهِ فِي الطُّولِ مِنْ مَبْدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ إلَى مُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. اهـ.

لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْأَغَمُّ وَالْأَصْلَعُ؛ لِأَنَّ الْأَغَمَّ الَّذِي عَلَى جَبْهَتِهِ شَعْرٌ لَا يَكْفِي غَسْلُهُ مِنْ قُصَاصِ شَعْرِهِ وَالْأَصْلَعُ الَّذِي انْحَسَرَ شَعْرُهُ إلَى وَسَطِ رَأْسِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ مِنْ قُصَاصِ شَعْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَصَرَّحَ فِي الْمُجْتَبَى بِالْخِلَافِ فِيهِ، فَقِيلَ إنْ قَلَّ فَمِنْ الْوَجْهِ وَإِنْ كَثُرَ فَمِنْ الرَّأْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ الرَّأْسِ حَتَّى جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ عِذَارُ اللِّحْيَةِ جَانِبَاهَا، وَشَحْمَهُ الْأُذُنِ مَا لَانَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) أَيْ مَعَ مِرْفَقَيْهِ فَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ بِمَعْنَى مَعَ نَحْوَ {اهْبِطْ بِسَلامٍ} [هود: ٤٨] أَيْ مَعَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ اسْتِعْمَالِهَا بِمَعْنَى مَعَ وَبَيْنَ الْبَاءِ أَنَّ مَعَ لِابْتِدَاءِ الْمُصَاحَبَةِ وَالْبَاءَ لِاسْتِدَامَتِهَا كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فِي بَحْثِ الْقِيَاسِ وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَفِيهِ الْعَكْسُ اسْمٌ لِمُلْتَقَى الْعَظْمَاتِ: عَظْمِ الْعَضُدِ وَعَظْمِ الذَّارِعِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ إلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْيَدَ مِنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَإِلَى شَحْمَتَيْ الْأُذُنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ إذَا لَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ إلَى أَسْفَلِ ذَقَنِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: أَيْ الْوَجْهُ) تَفْسِيرٌ لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ قَالَ الرَّمْلِيُّ (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّفْسِيرِ بِأَيٍّ وَالتَّفْسِيرِ بِيَعْنِي أَنَّ التَّفْسِيرَ بِأَيٍّ لِلْبَيَانِ وَالتَّوْضِيحِ وَالتَّفْسِيرُ بِيَعْنِي لِدَفْعِ السُّؤَالِ وَإِزَالَةِ الْوَهْمِ. اهـ.

وَهَذَا أَغْلَبِيٌّ وَاصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَإِلَّا فَبَعْضُهُمْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي حَوَاشِي ابْنِ قَاسِمٍ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْخَفِيفَةِ) تَأْوِيلٌ لِقَوْلِ الْبَدَائِعِ أَوْ خَفِيفًا لِإِيهَامِهِ عَدَمَ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ الَّتِي تَرَى بَشَرَتَهَا كَيْفَ وَقَدْ ذُكِرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ وَفِي قَوْلِ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ خَرَجَ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا إلَخْ إشَارَةً إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ عَنْ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ لَا أَنَّهُ قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَقَالَ بَدَلَ عَنْ وَعِنْدَ (قَوْلُ الْمُصَنِّفُ وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) قِيلَ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمِرْفَقَيْهِ بِيَدَيْهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي النَّحْوِ أَنَّ مَدْخُولَ مَعَ هُوَ الْمَتْبُوعُ تَقُولُ جَاءَ زَيْدٌ مَعَ السُّلْطَانِ لَا عَكْسُهُ لَكِنْ نُقِلَ فِي الْأَطْوَالِ أَنَّ دُخُولَ مَعَ شَاعٍ عَلَى الْمَتْبُوعِ فَمَا هُنَا إمَّا أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى غَيْرِ الشَّائِعِ أَوْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمَتْبُوعِ لِكَمَالِ الْعِنَايَةِ بِهِ مُبَالَغَةً فِي الْأَنْكَارِ عَلَى الْمُخَالِفِ

(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ إلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ) أَقُولُ: إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ فَهَذِهِ الْإِشَارَةُ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ إذْ كَوْنُ الْبَاءِ بِمَعْنَى مَعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ إلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَاهَا حَتَّى يَرِدَ الرَّدُّ الْمَذْكُورُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا بَاقِيَةً عَلَى مَعْنَاهَا وَأَنَّ مَا فَوْقَ الْمَرَافِقِ خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ اغْسِلْ جَسَدَك

<<  <  ج: ص:  >  >>