للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُءُوسِ الْأَصَابِعِ لِلْمَنْكِبِ، فَإِذَا كَانَتْ إلَى بِمَعْنَى مَعَ وَجَبَ الْغَسْلُ إلَى الْمَنْكِبِ؛ لِأَنَّهُ كَاغْسِلْ الْقَمِيصَ وَكُمَّهُ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ كَإِفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ إذْ هُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى بَعْضِ مُتَعَلَّقِ الْحُكْمِ بِتَعْلِيقِ عَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُ غَيْرَهُ، وَلَوْ أَخْرَجَ كَانَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ

وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمِرْفَقُ مُلْتَقَى الْعَظْمَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا وَجَبَ غَسْلُ الذَّارِعِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُهُ وَجَبَ غَسْلُ الْمِرْفَقِ احْتِيَاطًا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذِّرَاعِ لِيَجِبَ غَسْلُ مَا لَازَمَهُ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ وَمَا بَعْدَ إلَى لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ جُزْآهُمَا الْمُلْتَقِيَانِ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الدُّخُولَ وَاحْتَمَلَ الْخُرُوجَ صَارَ مُجْمَلًا وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ عَدَمَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ لَا يُوجِبُ الْإِجْمَالَ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الدَّلَالَةَ الْمُتَشَبِّهَةُ فَبَقِيَ مُجَرَّدُ فِعْلِهِ دَلِيلُ السُّنَّةِ وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ، وَقَدْ لَا تَدْخُلُ فَتَدْخُلُ احْتِيَاطًا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى الدَّلِيلِ لَا يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ وَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلِينَ، وَهُوَ فَرْعُ تَجَاذُبِهِمَا، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ غَايَةٌ لِمُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ مُسْقِطِينَ إلَى الْمَرَافِقِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ تَعَلُّقُهُ بِاغْسِلُوا وَتَعَلُّقُهُ بِمُقَدَّرٍ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا مُلْجِئٍ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِسْقَاطُ، وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ عَمَّا فَوْقَ الْمِرْفَقِ بَلْ عُمِلَ قَبْلَهُ بِاللَّفْظِ إذْ يَحْتَمِلُ أَسْقِطُوا مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْمِرْفَقِ أَوْ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى وَفَرْقُهُمْ بَيْنَ غَايَةِ الْإِسْقَاطِ وَبَيْنَ غَايَةِ الْمَدِّ بِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إنْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِمَا بَعْدَ إلَى، فَهِيَ لِلْإِسْقَاطِ كَمَسْأَلَتِنَا، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْمَدِّ نَحْوَ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ لِانْتِقَاضِهِ بِالْغَايَةِ فِي الْيَمِينِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ لَا يَدْخُلُ الْعَاشِرُ مَعَ تَنَاوُلِ الصَّدْرِ لَهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَكَذَلِكَ رَأْسُ السَّمَكَةِ فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ السَّمَكَةَ إلَى رَأْسِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ مَعَ التَّنَاوُلِ الْمَذْكُورِ

وَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَمِنْهُمْ الزَّمَخْشَرِيّ وَالتَّفْتَازَانِي مِنْ أَنَّ إلَى تُفِيدُ مَعْنَى الْغَايَةِ مُطْلَقًا، فَأَمَّا دُخُولُهَا فِي الْحُكْمِ وَخُرُوجُهَا عَنْهُ فَأَمْرٌ يَدُورُ مَعَ الدَّلِيلِ فَمَا فِيهِ دَلِيلُ الْخُرُوجِ قَوْله تَعَالَى {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] وَمِمَّا فِيهِ دَلِيلُ الدُّخُولِ آيَةُ الْإِسْرَاءِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُسْرَى بِهِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَالُوا بِدُخُولِهِمَا احْتِيَاطًا إذْ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ قَطُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ غَسْلِهِمَا فَلَا يُفِيدُ الِافْتِرَاضَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُفِيدُهُ وَتَقَدَّمَ مَنْعُ الِاحْتِيَاطِ وَالْحَقُّ أَنَّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرُوهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الِافْتِرَاضِ، فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِالْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ: لَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي إيجَابِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَهَذَا مِنْهُ حِكَايَةٌ لِلْإِجْمَاعِ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا فَزُفَرٌ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَكَذَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ بَعْدَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا حَكَى عَنْهُ أَشْهَبُ كَلَامًا مُحْتَمِلًا وَحُكْمُ

ــ

[منحة الخالق]

إلَى التَّرْقُوَةِ مَثَلًا لَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ غَسْلُ الْجَمِيعِ بَلْ الَّذِي يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ أَنَّ الْمَغْسُولَ مَا تَحْتَهَا لِتَعَذُّرِ غَسْلِ مَا فَوْقَهَا دُونَهَا وَدُونَ مَا تَحْتِهَا إذْ يَحْتَاجُ إلَى غَايَةِ التَّكَلُّفِ فَهُوَ بِدُونِ الْإِجْمَاعِ يُفْهَمُ مِنْهُ غَسْلُ الْأَيْدِي مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمَرَافِقِ لَا مِنْ الْمَنْكِبِ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ إلَى بِمَعْنَى مَعَ نَعَمْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي الْغَايَةِ وَذَاكَ شَيْءٌ آخَرُ فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُخْرِجَ كَانَ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) أَيْ عِنْدَنَا كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاهِيمِ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ

وَأَقُولُ: كَيْفَ يُمْكِنُ إخْرَاجُ غَيْرِهِ مَعَ تَنْصِيصِ الْحُكْمِ عَلَى الْكُلِّ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَإِنَّ قَوْلَك اضْرِبْ الْقَوْمَ مَعَ زَيْدٍ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ غَيْرَ زَيْدٍ لَيْسَ مَأْمُورًا بِضَرْبِهِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِحُجِّيَّةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ نَعَمْ لَوْ قِيلَ اضْرِبْ زَيْدًا وَاقْتَصَرَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى ذَلِكَ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِجَامِدٍ كَفِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ كَمَا فِي التَّحْرِيمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى آخِرِ هَذَا الْبَحْثِ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِذَلِكَ أَقُولُ: مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ هُنَا هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ وَمَا نَسَبَهُ إلَى الْهِدَايَةِ سَهْوًا، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا رَدٌّ لِقَوْلِ زُفَرَ الْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِإِسْقَاطِ مَا وَرَاءَهَا يَعْنِي فَهِيَ دَاخِلَةٌ وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِاغْسِلُوا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالنَّقْضُ بِمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ أَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي اللُّغَةِ وَالْأَيْمَانُ مُبِينَةٌ عَلَى الْعُرْفِ نَعَمْ يَرِدُ النَّقْضُ بِمِثْلِ قَرَأْت الْقُرْآنَ إلَى سُورَةِ كَذَا وَالْهِدَايَةِ إلَى كِتَابِ كَذَا، فَإِنَّ الْغَايَةَ فِيهِمَا لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا مَعَ تَنَاوُلِ الصَّدْرِ لَهَا وَقَوْلُهُ وَالْأَوْلَى إلَخْ مِمَّا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ الْفُرُوضُ الْعَمَلِيَّةُ لَا تَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِهَا إلَى الْقَاطِعِ فَيُحْتَاجُ إلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا لَا يَكُونُ حِكَايَةً لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي يَكُونُ غَيْرُهُ مَحْجُوجًا بِهِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ اللَّامِشِيُّ فِي أُصُولِهِ لَا خِلَافَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ وَوُجِدَ الرِّضَا مِنْ الْكُلِّ نَصًّا كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا فَأَمَّا إذَا نَصَّ الْبَعْضُ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ لَا عَنْ خَوْفٍ بَعْدَ اشْتِهَارِ الْقَوْلِ فَعَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا أَقُولُ: إنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَكِنْ أَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>