للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّلَاقِ فَتَعَقَّبَهُ أَوْ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهَا وَكَذَا يُحْتَاطُ فِي الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا لَا تَرِثُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ وَلِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ يَقَعَانِ مَعًا ثُمَّ الطَّلَاقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ

(قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ هَكَذَا وَأَشَارَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَهِيَ ثَلَاثٌ) لِأَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ بِعَدَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعَدَدُ الْمُفَادُ كَمِّيَّتُهُ بِالْأَصَابِعِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِذَا لِأَنَّ الْهَاءَ لِلتَّنْبِيهِ، وَالْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ وَذَا لِلْإِشَارَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِثَلَاثٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ بِوَاحِدَةٍ فَوَاحِدَةٌ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَانِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ تَقَعُ بِالْمَنْشُورَةِ مِنْهَا دُونَ الْمَضْمُومَةِ لِلْعُرْفِ وَلِلسُّنَّةِ وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ، وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ ذَكَرَهَا فِي الْمِعْرَاجِ الْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ جَعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَيْهَا، وَالْأَصَابِعَ الْمَنْشُورَةَ إلَى نَفْسِهِ دُيِّنَ قَضَاءً وَلَوْ جَعَلَ ظَهْرَ الْكَفِّ إلَى نَفْسِهِ وَبُطُونَ الْأَصَابِعِ إلَيْهَا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ الثَّانِي لَوْ كَانَ بَاطِنُ الْكَفِّ إلَى السَّمَاءِ فَالْعِبْرَةُ إلَى النَّشْرِ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ فَالْعِبْرَةُ إلَى الضَّمِّ، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ نَشْرًا عَنْ ضَمٍّ فَالْعِبْرَةُ لِلنَّشْرِ، وَإِنْ كَانَ ضَمًّا عَنْ نَشْرٍ فَالْعِبْرَةُ لِلضَّمِّ اعْتِبَارًا لِلْعَادَةِ اهـ.

وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ لِفَقْدِ التَّشْبِيهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَأَشَارَ إلَيْهَا بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَرَادَ بِهِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِالضَّمِيرِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بِالضَّمِيرِ اهـ.

وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِثْلُ هَذَا وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ يَقَعُ ثَلَاثٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِثَلَاثٍ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ هَكَذَا فَهُوَ لَغْوٌ وَلَوْ نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُشْعِرُ بِهِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ بِغَيْرِ لَفْظٍ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْعَدَدِ عُرْفًا وَشَرْعًا إذَا اقْتَرَنَتْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ اهـ.

وَلَا طَلَاقَ هُنَا يُشَارُ إلَيْهِ بِهِ فَتَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ إلَى الْآنَ ثُمَّ رَاجَعْت أَحْكَامَ الْإِشَارَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ، وَالنَّظَائِرِ فَوَجَدْته قَالَ وَلَمْ أَرَ الْآنَ أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ وَلَمْ يَقُلْ طَالِقٌ اهـ.

أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت الْحُكْمَ كَمَا ذَكَرْته بِالْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَشَرْحِ الرَّوْضِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَغَيْرِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا يُنَافِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَالْإِشَارَةُ تَقَعُ بِالْمَنْشُورِ وَلَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَكَذَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ فِي الدِّرَايَةِ الْإِشَارَةُ بِالْكَفِّ أَنْ تَقَعَ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً فَاَلَّذِي يَثْبُتُ بِالنِّيَّةِ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ الْأَصَابِعُ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً فَقَطْ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ دِيَانَةً، وَفِي الثَّانِيَةِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ اهـ.

قُلْت وَحَاصِلُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً تَقَعُ ثَلَاثٌ وَتَصِحُّ فِيهَا نِيَّتُهُ دِيَانَةً فِي الْأُولَى أَيْ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْمَضْمُومَتَيْنِ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ.

وَكَذَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً فِي الثَّانِيَةِ أَيْ فِيمَا إذَا نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ فَتَقَعُ وَاحِدَةً وَلَمَّا كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ الْمَنْشُورَةَ دُونَ الْمَضْمُومَةِ وَدُونَ الْكَفِّ لَمْ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَنَوَى الْكَفَّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً لِأَنَّهُ خَصَّ صِحَّةَ نِيَّةِ الْكَفِّ دِيَانَةً بِمَا إذَا كَانَتْ الثَّلَاثُ مَنْشُورَةً وَهَذَا خِلَافُ مَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فِي نِيَّةِ الْإِشَارَةِ بِالْكَفِّ إذَا كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِشَارَةَ بِالْكَفِّ صُدِّقَ قَضَاءً بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْمَعْقُودَتَيْنِ اهـ.

فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مَنْشُورَةً وَكَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَنْشُورًا وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ نَشْرَ الْكُلِّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِشَارَةَ بِالْأَصَابِعِ بَلْ أَرَادَ الْكَفَّ وَيَظْهَرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا لَوْ كَانَتْ كُلُّ الْأَصَابِعِ مَضْمُومَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهَا مَنْشُورًا فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِشَارَةَ بِالْمَنْشُورَةِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً أَنَّهُ أَرَادَ الْمَضْمُومَ مِنْهَا أَوْ الْكَفَّ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي هُنَا فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَنْشُورَةِ دُونَ الْمَضْمُومَةِ بِلَا تَفْصِيلٍ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ بَعْدَهُ وَكَذَا قَوْلُ الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ اهـ.

فَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ: وَالْإِشَارَةُ. . . إلَخْ كَمَا فَهِمَهُ الْعَلَائِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ هَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَإِنْ نَوَى بِهِ الثَّلَاثَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَابُ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَتْرَاكِ مَنْ رَمْي ثَلَاثَ حَصَوَاتٍ قَائِلًا أَنْتِ هَكَذَا وَلَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ تَأَمَّلْ اهـ.

وَفِي عِلْمِهِ مِنْ هَذَا تَأَمَّلْ بَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ هَكَذَا مُشِيرًا بِأَصَابِعِهِ فَحَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِفَقْدِ التَّشْبِيهِ) لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ الطَّلَاقُ بِدُونِ اللَّفْظِ لَا يَتَحَقَّقُ عَدَدُهُ بِدُونِهِ كَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بِالضَّمِيرِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>