إنْ نَوَى ثَلَاثًا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً، هَكَذَا فِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ فَقَدْ فَرَّقُوا هُنَا بَيْنَ الْكَافِ وَمِثْلٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَافَ لِلتَّشْبِيهِ فِي الذَّاتِ وَمِثْلًا لِلتَّشْبِيهِ فِي الصِّفَاتِ وَلِذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إيمَانِي كَإِيمَانِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا أَقُولُ: إيمَانِي مِثْلُ إيمَانِ جِبْرِيلَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَيَحْتَمِلُ التَّشْبِيهَ فِي الصِّفَةِ وَهُوَ الشَّبَهُ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُحْمَلُ عَلَى التَّشْبِيهِ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ لِأَنَّهُ أَدْنَى اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ: إذَا لَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ كَأَلْفٍ وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقٍ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ لَهُ سَنْجَةً وَاحِدَةً فَقَدْ شَبَّهَ الْوَاقِعَ بِالْوَاحِدَةِ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقٍ وَنِصْفٍ أَوْ دَانِقَيْنِ تَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ لَهُ سَنْجَتَيْنِ فَقَدْ شَبَّهَ الْوَاقِعَ بِالْعَدَدَيْنِ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ دَانِقَيْنِ وَنِصْفٍ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ يُوزَنُ بِثَلَاثِ سَنَجَاتٍ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ نِصْفِ دِرْهَمٍ تَقَعُ وَاحِدَةً وَلَوْ قَالَ: مِثْلُ سَنْجَةِ ثُلُثَيْ دِرْهَمٍ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ لَهُ سَنْجَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ تَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ لَهُ ثَلَاثُ سَنَجَاتٍ وَلَوْ قَالَ مِثْلُ سَنْجَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأُصْبُعُ مُؤَنَّثَةٌ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهَا مِثْلُ الْخِنْصَرِ، وَالْبِنْصِرِ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ فَارِسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى تَذْكِيرِ الْإِصْبَعِ وَقَالَ الصَّغَانِيُّ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْغَالِبُ التَّأْنِيثُ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَفِي الْإِصْبَعِ عَشْرُ لُغَاتٍ تَثْلِيثُ الْهَمْزَةِ مَعَ تَثْلِيثِ الْبَاءِ، وَالْعَاشِرُ أُصْبُوعٌ وِزَانُ عُصْفُورٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ لُغَاتِهَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْبَاءِ وَهِيَ الَّتِي ارْتَضَاهَا الْفُصَحَاءُ.
قَوْلُهُ: (أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ أَفْحَشَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ أَوْ الْبِدْعَةِ أَوْ كَالْجَبَلِ أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا) بَيَانٌ لِلطَّلَاقِ الْبَائِنِ بَعْدَ بَيَانِ الرَّجْعِيِّ وَإِنَّمَا كَانَ بَائِنًا فِي هَذِهِ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلْحَالِ وَكَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ وَبَعْدَهُ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ احْتَمَلَ الْبَيْنُونَةَ لَصَحَّتْ إرَادَتُهَا بِطَالِقٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَدَمَ صِحَّتِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَمَلَ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ لَا فِي غَيْرِهِ وَلَفْظُ بَائِنٍ لَمْ يَصِرْ مَلْفُوظًا بِهِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ طَالِقٍ بَائِنٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدَ بِكَوْنِ بَائِنٍ صِفَةً بِلَا عَطْفٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَبَائِنٌ أَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ بَائِنٌ وَقَالَ لَمْ أَنْوِ بِقَوْلِي بَائِنٌ شَيْئًا فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ وَلَوْ ذَكَرَ بِحَرْفِ الْفَاءِ، وَالْبَاقِي بِحَالِهِ فَهِيَ بَائِنَةٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا أَنَّهُ لَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ عَدَدًا مَحْضًا إلَّا إذَا عَنَى بِأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَبِقَوْلِهِ بَائِنٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ نَحْوَهُمَا أُخْرَى يَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكِيبَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ وَهُمَا بَائِنَتَانِ لِأَنَّ بَيْنُونَةَ الْأُولَى ضَرُورَةُ بَيْنُونَةِ الثَّانِيَةِ إذْ مَعْنَى الرَّجْعِيِّ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِاتِّصَالِ الْبَائِنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي وَصْفِهَا بِالرَّجْعِيَّةِ وَكُلُّ كِنَايَةٍ قُرِنَتْ بِطَالِقٍ يَجْرِي فِيهَا ذَلِكَ فَيَقَعُ ثِنْتَانِ بَائِنَتَانِ وَأَشَارَ بِأَفْحَشِ الطَّلَاقِ إلَى كُلِّ وَصْفٍ عَلَى أَفْعَلَ لِأَنَّهُ لِلتَّفَاوُتِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْبَيْنُونَةِ وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ فَدَخَلَ أَخْبَثُ الطَّلَاقِ وَأَسْوَأُهُ وَأَشَرُّهُ وَأَخْشَنُهُ وَأَكْبَرُهُ وَأَغْلَظُهُ وَأَطْوَلُهُ وَأَعْرَضُهُ وَأَعْظَمُهُ إلَّا قَوْلُهُ: أَكْثَرُهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ وَلَا يُدَيَّنُ
ــ
[منحة الخالق]
الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الضَّمِيرُ الْقَلْبِيُّ لَا النَّحْوِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَوَاحِدَةً) قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْ بَائِنَةً كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَأَلْفٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. وَسَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى عَمَلِ النِّيَّةِ فِي الْمَلْفُوظِ إلَّا تَوْجِيهُهُ إلَى بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ فَإِذَا فُرِضَ لِلَّفْظِ ذَلِكَ صَحَّ عَمَلُ النِّيَّةِ فِيهِ، وَقَدْ فُرِضَ بِطَالِقٍ ذَلِكَ فَتَعْمَلُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَا يَكُونُ عَامِلُهُ بِلَا لَفْظٍ عَلَى أَنَّ هَذَا قَدْ يُعْطِي بِظَاهِرِهِ افْتِقَارَ وُقُوعِ الْبَائِنِ فِي طَالِقٍ بَائِنٍ إلَى النِّيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَدْ يَكُونُ رَجْعِيًّا وَقَدْ يَكُونُ بَائِنًا فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّرِيحِ مِنْهُ كَانَ رَجْعِيًّا وَإِذَا وَصَفَهُ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الْبَيْنُونَةِ كَانَ بَائِنًا، وَالْبَيْنُونَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ تَكُونُ خَفِيفَةً وَغَلِيظَةً فَإِذَا نَوَى الثَّانِيَةَ صَحَّتْ نِيَّتُهَا وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ فِي مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا هُوَ بَائِنٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَائِنٌ وَصْفًا لِلطَّلَاقِ لَا لِلْمَرْأَةِ فَيَكُونُ وَصْفًا فِي الْمَعْنَى لِطَلَاقِ مَصْدَرٍ فَتَصِحُّ بِهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ الْوُقُوعُ بِلَفْظِ بَائِنٍ فَقَطْ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ بَلْ هُوَ قَرِينَةُ إرَادَةِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ بِتَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ كَمَا فِي أَلْبَتَّةَ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى طَلَاقًا أَلْبَتَّةَ وَكَذَا فِي أَفْحَشِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى طَلَاقًا أَفْحَشَ الطَّلَاقِ وَهَكَذَا فِي الْبَوَاقِي (قَوْلُهُ: بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ) وَأَمَّا مَا فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ مِنْ ضَبْطِهِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ فَصَوَابُهُ الْمُثَلَّثَةُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْمِنَحِ وَقَالَ: إنَّ الْحُكْمَ صَحِيحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute