إذَا قَالَ نَوَيْت وَاحِدَةً.
وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ بِطَلَاقِ الشَّيْطَانِ، وَالْبِدْعَةِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ هُوَ السُّنِّيُّ غَالِبًا فَلَا يَرِدُ أَنَّ الرَّجْعِيَّ قَدْ لَا يَكُونُ سُنِّيًّا كَالطَّلَاقِ الصَّرِيحِ فِي الْحَيْضِ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ أَوْ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَ فِي طُهْرٍ فِيهِ جِمَاعٌ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ هُنَا هُوَ وُقُوعُ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ بِلَا نِيَّةٍ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا تَقَعُ السَّاعَةَ أَوْ بَعْدَ وُجُودِ شَيْءٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْجَبَلِ إلَى التَّشْبِيهِ بِمَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْعِظَمِ وَهُوَ بِزِيَادَةِ وَصْفِ الْبَيْنُونَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مِثْلُ الْجَبَلِ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِأَشَدِّ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالشِّدَّةِ لِأَنَّ أَفْعَلَ يُرَادُ بِهِ الْوَصْفُ فَلِذَا لَمْ يَكُنْ لِلثَّلَاثِ بِلَا نِيَّةٍ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ بَعْضُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ فَكَانَ أَشَدُّ مُعَبَّرًا بِهِ عَنْ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِقَوْلِهِ كَأَلْفٍ فَلِأَنَّ التَّشْبِيهَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْقُوَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَدَدِ فَإِنْ نَوَى الثَّانِي وَقَعَ الثَّلَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ثَبَتَ الْأَقَلُّ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ وَدَخَلَ فِيهِ مِثْلُ أَلْفٍ وَمِثْلُ ثَلَاثٍ وَوَاحِدَةً كَالْأَلْفِ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لَا تَقَعُ إلَّا وَاحِدَةً اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَخَرَجَ عَنْهُ كَعَدَدِ الْأَلْفِ وَكَعَدَدِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ بِلَا نِيَّةٍ وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا مَا لَوْ شَبَّهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ فِيهِ كَعَدَدِ الشَّمْسِ أَوْ التُّرَابِ أَوْ قَالَ مِثْلَهُ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ مَوْجُودٌ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَالنُّجُومِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَعْنِي كَالنُّجُومِ ضِيَاءً لَا عَدَدًا إلَّا أَنْ يَقُولَ كَعَدَدِ النُّجُومِ وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى عَدَدٍ مَعْلُومِ النَّفْيِ كَعَدَدِ شَعْرِ بَطْنِ كَفِّي أَوْ مَجْهُولِ النَّفْيِ، وَالْإِثْبَاتِ كَعَدَدِ شَعْرِ إبْلِيسَ أَوْ نَحْوِهِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ شَأْنِهِ الثُّبُوتُ لَكِنَّهُ كَانَ زَائِلًا وَقْتَ الْحَلِفِ بِعَارِضٍ كَعَدَدِ شَعْرِ سَاقِي أَوْ سَاقَك، وَقَدْ تَنَوَّرَ لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ مَا فِي هَذَا الْحَوْضِ مِنْ السَّمَكِ وَلَيْسَ فِي الْحَوْضِ سَمَكٌ تَقَعُ وَاحِدَةً وَحَكَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَسُئِلَ عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى فَرْجِك، وَقَدْ كَانَتْ أَطْلَتْ فَبَقِيَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَتَفَكَّرُ فِيهِ وَشَبَّهَهُ بِظَهْرِ الْكَفِّ ثُمَّ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ كَفِّي وَقَدْ أُطْلِيَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ قَالَ بِعَدَدِ الشَّعْرِ الَّذِي فِي بَطْنِ كَفِّي أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشُّعُورِ النَّابِتَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يَقَعُ عَلَى عَدَدِ الشَّعْرِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي عَدَدِ شَعْرِ رَأْسِي أَوْ عَدَدِ شَعْرِ ظَهْرِ كَفِّي، وَقَدْ أَطْلَى لِأَنَّهُ ذُو عَدَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ مَا فِي هَذِهِ الْقَصْعَةِ مِنْ الثَّرِيدِ إنْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ صَبِّ الْمَرَقَةِ عَلَيْهِ فَهِيَ ثَلَاثٌ، وَإِنْ قَالَ بَعْدَ صَبِّ الْمَرَقَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ اهـ.
وَفَرَّقَ فِي الْجَوْهَرَةِ بَيْنَ التُّرَابِ، وَالرَّمْلِ فَقَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدَ التُّرَابِ فَهِيَ
ــ
[منحة الخالق]
فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي فَتَاوَاهُ نَحْوَهُ وَأَفْتَى بِالثَّلَاثِ فِيهِ أَيْضًا قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْمُثَلَّثَةِ بِالْأُولَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ يُجَامِعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُقُوعُ بَائِنَةٍ لِلْحَالِ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِفْ بِهَذَا الْوَصْفِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبِدْعِيَّ لَمْ يَنْحَصِرْ فِيمَا ذَكَرَهُ إذْ الْبَائِنُ بِدْعِيٌّ كَمَا مَرَّ اهـ.
قُلْت: وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْبَائِنِ، وَقَدْ تَكُونُ فِي الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ وَكَذَا إذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ طَلَاقَ الشَّيْطَانِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَنَوَى وَاحِدَةً بَائِنَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ اهـ. تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةً) يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثَلَاثًا تَقَعُ الثَّلَاثُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ مِرَارًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا لَوْ مَدْخُولًا بِهَا كَمَا يَأْتِي قُلْت وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ هَذَا اللَّفْظِ مِرَارًا وَإِذَا بَانَتْ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى لَا تَبِينُ بِالثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَهَكَذَا لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ أَوْقَعَهَا جُمْلَةً بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا فَتَطْلُقُ بِهِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَالصَّرِيحُ إذَا كُرِّرَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى يَقَعُ وَلِهَذَا شَرَطَ كَوْنَهَا مَدْخُولًا بِهَا إذْ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا تَبِينُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ فَلَا يَلْحَقُهَا مَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَرَّاتِ.
لِأَنَّهَا بَانَتْ بِلَا عِدَّةٍ مَعَ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا جُمْلَةً وَقَعَ الثَّلَاثُ فَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِهِ مِرَارًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي الْكِنَايَاتِ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ: اذْهَبِي أَلْفَ مَرَّةٍ يَنْوِي بِهِ طَلَاقًا فَثَلَاثٌ اهـ.
مَعَ أَنَّ لَفْظَ اذْهَبِي كِنَايَةٌ مِثْلُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَلْيُتَأَمَّلْ