للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِنْ قَالَ عَدَدَ الرَّمْلِ فَهِيَ ثَلَاثٌ إجْمَاعًا وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِمِلْءِ الْبَيْتِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَمْلَأُ الْبَيْتَ لِعِظَمِهِ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ يَمْلَؤُهُ لِكَثْرَتِهِ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ وَعِنْدَ عَدَمِهَا يَثْبُتُ الْأَقَلُّ وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ بِتَطْلِيقَةٍ شَدِيدَةٍ وَمَا بَعْدَهُ فَلِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبَائِنُ وَمَا يَصْعُبُ تَدَارُكُهُ يُقَالُ فِيهِ لِهَذَا الْأَمْرِ طُولٌ وَعَرْضٌ فَهُوَ الْبَائِنُ أَيْضًا قَيَّدَ بِكَوْنِ الشِّدَّةِ وَأَخَوَاتِهَا صِفَةً لِلتَّطْلِيقَةِ.

لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَوِيَّةً أَوْ شَدِيدَةً أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً وَلَمْ يَذْكُرْ التَّطْلِيقَةَ كَانَ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْمَرْأَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ: طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ طُولَ كَذَا وَعَرْضَ كَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا تَكُونُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَاهَا لِأَنَّ الطُّولَ، وَالْعَرْضَ يَدُلَّانِ عَلَى الْقُوَّةِ لَكِنَّهُمَا يَكُونَانِ لِلشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَكَأَنَّهُ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ طُولُهَا كَذَا وَعَرْضُهَا كَذَا فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَلِذَا صَرَّحَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا لَا تَقَعُ الثَّلَاثُ فِي طَوِيلَةٍ أَوْ عَرِيضَةٍ، وَإِنْ نَوَاهَا وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرُجِّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةُ بِتَاءِ الْوَاحِدَةِ لَا يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ وَقَيَّدَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَوْصَافِ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَفَهُ بِمَا لَا يُوصَفُ بِهِ يَلْغُو الْوَصْفُ وَيَقَعُ رَجْعِيًّا نَحْوُ طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْك أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ يُوصَفُ بِهِ وَلَا يُنْبِئُ عَلَى زِيَادَةٍ فِي أَثَرِهِ كَقَوْلِهِ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَسَنَّهُ أَجْمَلَهُ أَعْدَلَهُ أَخْيَرَهُ أَكْمَلَهُ أَفْضَلَهُ أَتَمَّهُ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا وَتَكُونُ طَالِقًا لِلسُّنَّةِ فِي وَقْتِهَا، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِلسُّنَّةِ كَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ وَذَكَرَ مَا جَزَمَ بِهِ الْحَاكِمُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصْفَ بِمَا يُنْبِئُ عَنْ الزِّيَادَةِ يُوجِبُ الْبَيْنُونَةَ وَأَمَّا التَّشْبِيهُ فَكَذَلِكَ أَيُّ شَيْءِ كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ كَرَأْسِ إبْرَةٍ وَكَحَبَّةِ خَرْدَلٍ وَكَسَمْسَمَةٍ لِاقْتِضَاءِ التَّشْبِيهِ الزِّيَادَةَ.

وَاشْتَرَطَ أَبُو يُوسُفَ ذِكْرَ الْعِظَمِ مُطْلَقًا وَزُفَرُ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ فَرَأْسُ الْإِبْرَةِ بَائِنٌ عِنْدَ الْإِمَامِ فَقَطْ وَكَالْجَبَلِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ زُفَرَ فَقَطْ وَكَعَظِيمَةٍ بَائِنٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَكَعِظَمِ الْإِبْرَةِ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ وَمُحَمَّدٍ قِيلَ مَعَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ مَعَ الثَّانِي، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ كَالثَّلْجِ إنْ أَرَادَ فِي الْبُرُودَةِ فَبَائِنٌ، وَإِنْ أَرَادَ فِي الْبَيَاضِ فَرَجْعِيٌّ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَدَدًا تَقَعُ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فَهِيَ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَذَا كَذَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ تَقَعُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَحَدَ عَشَرَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَبَائِنٌ أَوْ فَبَائِنُ فَوَاحِدَةً بَائِنَةً، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَشَيْءٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى بِشَيْءٍ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَثِيرًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الثَّلَاثُ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْفَتَاوَى يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَبِيرَ الطَّلَاقِ فَهِيَ ثِنْتَانِ وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ وَقَعَ ثَلَاثٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَهِيَ وَاحِدَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَيْ رَجْعِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْعَدَدِ فِيمَا لَا عَدَدَ لَهُ لَغْوٌ وَلَا عَدَدَ لِلتُّرَابِ.

(قَوْلُهُ: وَثَلَاثٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْعَدَدِ إذَا ذَكَرَ الْكَثْرَةَ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةً بَائِنَةً لِأَنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي ضَرْبًا مِنْ الزِّيَادَةِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ قَالَ مِثْلَ التُّرَابِ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَفِي النَّهْرِ إنَّمَا كَانَ التُّرَابُ غَيْرَ مَعْدُودٍ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ بِخِلَافِ الرَّمْلِ فَإِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ لَا يَصْدُقُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الرَّمْلُ وَاحِدُ الرِّمَالِ، وَالرَّمْلَةُ أَخَصُّ مِنْهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِذَا صَرَّحَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْعَتَّابِيُّ لِقَوْلِهِ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ. . . إلَخْ وَذَكَرَ أَيْضًا شَدِيدَةً قَبْلَ قَوْلِهِ طَوِيلَةً وَهَكَذَا فِي النَّهْرِ وَكَأَنَّهَا سَقَطَتْ هُنَا مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ. . . إلَخْ) الْمُرَجِّحُ هُوَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا صِحَّةَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا بِأَنَّهُ وَصْفُ الطَّلَاقِ بِالْبَيْنُونَةِ وَهِيَ خَفِيفَةٌ وَغَلِيظَةٌ، وَالْغَلِيظَةُ هِيَ الثَّلَاثُ وَتَاءُ الْوَحْدَةِ لَا تُنَافِي صِحَّةَ إرَادَةِ الْبَيْنُونَةِ الْغَلِيظَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا الْعَدَدَ الْمَحْضَ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِمَا وُضِعَ لِلْمُفْرَدِ وَهَذَا الْمُفْرَدُ يُطْلَقُ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَمْلِكُ بَعْدَهُ الرَّجْعَةَ، وَالْآخَرُ مَا لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِزَوْجٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ أَيْضًا فَرْدٌ اعْتِبَارِيٌّ فَلَا يُنَافِي تَاءَ الْوَحْدَةِ وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُمَا عَدَدٌ مَحْضٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَعُ ثَلَاثٌ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَاحِدَةٌ، وَالْكَثِيرَ ثَلَاثٌ، وَإِذَا قَالَ أَوَّلًا لَا قَلِيلَ قَصَدَ الثَّلَاثَ ثُمَّ لَا يَعْمَلُ قَوْلُهُ: وَلَا كَثِيرَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.

وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ ثَلَاثٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا قَلِيلَ وَلَا كَثِيرَ يَقَع الثَّلَاثَ فِي الْمُخْتَارِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ ثِنْتَانِ فِي الْأَشْبَهِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>