للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ وَتَصِحُّ نِيَّتُهُ الثَّلَاثَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا تَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثٌ بِالنِّيَّةِ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي الْحُرِّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ كُلُّ الْجِنْسِ وَلِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ فَأَيُّهُمَا نَوَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ شَرْعًا لِإِنْشَاءِ الْوَاحِدَةِ الرَّجْعِيَّةِ فَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ تَغْيِيرَهُ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ طَلَّقَ مَنْكُوحَتَهُ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ وَنَوَى ثِنْتَيْنِ كَانَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ لَا تَحْصُلُ بِمَا نَوَى فَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ حَتَّى لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ تَقَعُ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ فِي حَقِّهَا تَحْصُلُ بِالثِّنْتَيْنِ وَبِالْوَاحِدَةِ السَّابِقَةِ اهـ.

وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ اخْتَارِي، وَأَمْرُك بِيَدِك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِمَا بَلْ إذَا نَوَى التَّفْوِيضَ كَانَ لَهَا التَّطْلِيقُ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِقَوْلِهَا بَعْدَهُ اخْتَرْت نَفْسِي وَنَحْوَهُ وَكَمَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ اخْتَارِي فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ التَّفْوِيضِ وَبِهِ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ عَلَيْهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِنَايَاتِ كُلَّهَا تَصِحُّ فِيهَا نِيَّةُ الثَّلَاثِ إلَّا أَرْبَعَةً الثَّلَاثُ الرَّوَاجِعُ وَاخْتَارِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ بَائِنٌ) مِنْ بَابِ بَانَ الشَّيْءُ إذَا انْفَصَلَ فَهُوَ بَائِنٌ وَأَبَنْته بِالْأَلِفِ فَصَلْته، وَبَانَتْ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ فَهِيَ بَائِنٌ بِغَيْرِهَا، وَأَبَانَهَا زَوْجُهَا بِالْأَلِفِ فَهِيَ مُبَانَةٌ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي كِتَابِ التَّوْسِعَةِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْمَعْنَى مُبَانَةٌ قَالَ الصَّاغَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِالشَّرْطِ إبَانَةً بِلَا نِيَّةِ طَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ اهـ.

فَأَنْتِ بَائِنٌ كِنَايَةٌ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُنْجَزًا (قَوْلُهُ: بَتَّةٌ) مِنْ بَتَّهُ بَتًّا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ قَطَعَهُ، وَفِي الْمُطَاوِعِ فَانْبَتَّ كَمَا يُقَالُ فَانْقَطَعَ وَانْكَسَرَ وَبَتَّ الرَّجُلُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ مَبْتُوتَةٌ، وَالْأَصْلُ مَبْتُوتٌ طَلَاقُهَا وَطَلَّقَهَا طَلْقَةً بَتَّةً وَثَلَاثًا بَتَّةً إذَا قَطَعَهَا مِنْ الرَّجْعَةِ وَأَبَتَّ طَلَاقَهَا بِالْأَلْفِ لُغَةً قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَيُسْتَعْمَلُ الثُّلَاثِيُّ، وَالرُّبَاعِيُّ لَازِمَيْنِ وَمُتَعَدِّيَيْنِ فَيُقَالُ بَتَّ طَلَاقُهَا، وَأَبَتَّهُ وَطَلَاقٌ بَاتٌّ وَبَتٌّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ بَتْلَةٌ) مِنْ بَتَلَهُ بَتْلًا مِنْ بَابِ قَتَلَ قَطَعَهُ وَأَبَانَهُ وَطَلَّقَهَا طَلْقَةً بَتَّةً بَتْلَةً كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ.

(قَوْلُهُ: حَرَامٌ) مِنْ حَرُمَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ حِرْمًا وَحُرْمًا وَحَرَامًا امْتَنَعَ فِعْلُهُ، وَالْمَمْنُوعُ يُسَمَّى حَرَامًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْإِيلَاءِ عَنْ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ، وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ وَقَعَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ لَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ وَلَكِنْ نَجْعَلُهُ نَاوِيًا عُرْفًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَّمْتُك عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ بِدُونِ عَلَيَّ أَوْ أَنَا عَلَيْك حَرَامٌ أَوْ مُحَرَّمٌ أَوْ حَرُمَتْ نَفْسِي عَلَيْك وَيُشْتَرَطُ قَوْلُهُ: عَلَيْك فِي تَحْرِيمِ نَفْسِهِ لِأَنْفُسِهَا وَكَذَا قَوْلُهُ: حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَكُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَنْتِ مَعِي فِي الْحَرَامِ فَإِنْ قُلْت إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا نِيَّةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّرِيحِ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ رَجْعِيًّا قُلْت الْمُتَعَارَفُ بِهِ إيقَاعُ الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي مَوْضِعٍ صَارَ مُتَعَارَفًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْإِيلَاءِ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ: أَنْت امْرَأَةٌ حَرَامٌ وَلَمْ يُرِدْ الطَّلَاقُ يَقَعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً، وَلَوْ قَالَ هِيَ حَرَامٌ كَالْمَاءِ تَحْرُمُ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالسُّرْعَةِ (قَوْلُهُ: خَلِيَّةٌ) مِنْ خَلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَانِعِ النِّكَاحِ خُلُوًّا فَهِيَ خَلِيَّةٌ وَنِسَاءٌ خَلِيَّاتٌ وَنَاقَةٌ خَلِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ مِنْ عِقَالِهَا فَهِيَ تَرْعَى حَيْثُ شَاءَتْ وَمِنْهُ يُقَالُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ هِيَ خَلِيَّةٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: بَرِيئَةٌ) يَحْتَمِلُ النِّسْبَةَ إلَى الشَّرِّ أَيْ بَرِيئَةٌ مِنْ حُسْنِ الْخَلْقِ وَأَفْعَالِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَاهَا) أَيْ مِمَّا مَرَّ قَرِيبًا وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا أُورِدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ كَوْنَ مَا عَدَا الثَّلَاثِ يَقَعُ بِهِ بَائِنًا مَمْنُوعٌ بَلْ يَقَعُ الرَّجْعِيُّ بِبَعْضِ الْكِنَايَاتِ سِوَى الثَّلَاثِ، وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ أَنَّ مَبْنَى الْإِيرَادِ عَلَى أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْهُ قِسْمُ الْكِنَايَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ خِلَافًا وَأَنَّهَا مِنْ الصَّرِيحِ، وَقَدْ كُنْت تَوَقَّفْت فِي ذَلِكَ بُرْهَةً حَتَّى رَأَيْت بِخَطِّ الْحَمَوِيِّ الْمُوَافَقَةَ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِيهِ نَظِيرٌ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ الصَّرِيحِ لَمَا احْتَاجَتْ إلَى نِيَّةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّرِيحِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ كَوْنِ مَا سَبَقَ دَاخِلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَوَقُّفُهَا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَكَمَا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ اخْتَارِي) أَيْ بِدُونِ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَقَوْلُهُ: لِمَا سَنَذْكُرُهُ أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْخُلُوصَ، وَالصَّفَا فَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، وَالْبَيْنُونَةُ تَثْبُتُ فِيهِ مُقْتَضًى فَلَا تَعُمُّ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوُهُ لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ اهـ.

وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ وَكَلَامُ النَّهْرِ يَقْتَضِي أَنَّ النُّسْخَةَ لِمَا سَيُذْكَرُ بِالْيَاءِ أَيْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَطْلَقَ هُنَا، وَالْمُرَادُ مَا عَدَا اخْتَارِي اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَرَى أَنَّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ أَيْ غَيْرِ الثَّلَاثِ مِنْ الْكِنَايَاتِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْبَائِنُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَحْصُورَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَفِي غَيْرِهَا الَّتِي هِيَ كَذَا لَا غَيْرِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ دَفْعًا لِلْإِيرَادِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي غَيْرِهَا. . . إلَخْ بِقَوْلِهِ وَهِيَ بَائِنٌ. . إلَخْ لَمْ يُدْخِلْ فِيهِ اخْتَارِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>