ثَلَاثَةَ عَشَرَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا دَلَالَةُ الْحَالِ وَلَا تَقَعُ إلَّا بِالنِّيَّةِ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك، تَقَنَّعِي، تَخَمَّرِي، اسْتَتِرِي، قُومِي، اُخْرُجِي، اذْهَبِي، انْتَقِلِي، انْطَلِقِي، تَزَوَّجِي، اُعْزُبِي، لَا نِكَاحَ لِي عَلَيْك، وَهَبْتُك لِأَهْلِك، وَفِيمَا عَدَاهَا تُعْتَبَرُ ` الدَّلَالَةُ.
لَكِنْ ثَمَانِيَةٌ تَقَعُ بِهَا حَالُ الْمُذَاكَرَةِ، أَنْتِ خَلِيَّةٌ، بَرِيَّةٌ، بَتَّةٌ، بَائِنٌ، حَرَامٌ، اعْتَدِّي، أَمْرُك بِيَدِك، اخْتَارِي.
وَثَلَاثَةٌ مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ يَقَعُ بِهَا حَالَ الْغَضَبِ، اعْتَدِّي، أَمْرُك بِيَدِك، اخْتَارِي، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذِهِ لَوْ قَالَ فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَارَقْتُك أَوْ بَايَنْتُك أَوْ بِنْتُ مِنْك أَوْ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك أَوْ سَرَّحْتُك أَوْ وَهَبْتُك لِنَفْسِك أَوْ تَرَكْت طَلَاقَك أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَ طَلَاقِك أَوْ سَبِيلَك أَوْ أَنْتِ بَائِنَةٌ أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ أَنْتِ أَعْلَمُ بِشَأْنِك، فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي يَقَعُ الطَّلَاقُ.
وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ اهـ. فَصَارَتْ الْأَلْفَاظُ الْوَاقِعُ بِهَا حَالَ الْمُذَاكَرَةِ عِشْرِينَ لَفْظًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَائِنُ بِمَا عَدَا الثَّلَاثِ وَمَا كَانَ بِمَعْنَاهَا مَعَ أَنَّ الْمُكَنَّى عَنْهُ الطَّلَاقُ وَهُوَ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ الْمُكَنَّى عَنْهُ الطَّلَاقُ بَلْ إنَّمَا هُوَ الْبَيْنُونَةُ لِأَنَّهَا هِيَ مَعْنَى اللَّفْظِ الدَّائِرِ فِي الْأَفْرَادِ فَكَوْنُهَا كِنَايَةً لَا تَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا مَجَازًا عَنْ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكِّكِ فَالْقَطْعُ الْمُتَعَلِّقُ بِالنِّكَاحِ فَرْدٌ مِنْ نَوْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالْخَيْرِ، وَالشَّرِّ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَهُ كَمَا يَحْتَمِلُ رَجُلٌ كُلًّا مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا، وَالْبَيْنُونَةُ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى غَلِيظَةٍ وَهِيَ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الثَّلَاثِ وَخَفِيفَةٍ كَالْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْخُلْعِ وَأَيُّهُمَا أَرَادَ صَحَّ وَثَبَتَ مَا يَثْبُتُ بِلَفْظِ طَالِقٌ عَلَى مَالٍ وَطَالِقٌ ثَلَاثًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَثْبُتُ عِنْدَ طَالِقٍ شَرْعًا لَازِمٌ أَعَمُّ يَثْبُتُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ هَذَا الْأَلْفَاظُ، وَالْخُلْعُ فَقَوْلُنَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ مَعْنَاهُ يَقَعُ لَازِمُ لَفْظِ الطَّلَاقِ شَرْعًا وَانْتِقَاصُ عَدَدِهِ هُوَ بِتَعَدُّدِ وُقُوعِ ذَلِكَ اللَّازِمِ وَاسْتِكْمَالُهُ بِذَلِكَ وَبِإِرْسَالِ لَفْظِ الثَّلَاثِ بَلْ مَعْنَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ وُقُوعُ اللَّازِمِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ هُوَ مَعْنَى لَفْظِ الطَّلَاقِ فَالْوَاقِعُ بِالْكِنَايَةِ هُوَ الطَّلَاقُ بِلَا تَأْوِيلٌ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْكِنَايَةِ حَقِيقَةٌ، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَيْسَتْ كِنَايَاتٍ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ فِي حَقَائِقِهَا قَالَ فِي التَّحْرِيرِ إنَّهُ غَلَطٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُنَافِي الْكِنَايَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ قَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا بِتَعَدُّدِ الْمَعْنَى، وَقَدْ لَا تَكُونُ حَقِيقَةً فِيهَا وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْكِنَايَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ مُسْتَتِرَ الْمُرَادِ وَهَذِهِ مَعْلُومَةٌ، وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا يُرَادُ بِهَا هِيَ أَبَائِنٌ مِنْ الْخَيْرِ أَوْ النِّكَاحِ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ إنَّهُ مُنْتَفٍ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ فِي الْمُرَادِ لَا بِسَبَبِ التَّرَدُّدِ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ كَالْمُشْتَرَكِ، وَالْخَاصِّ فِي فَرْدٍ مُعَيَّنٍ فَإِذَا كَانَتْ كِنَايَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ فِي إضَافَتِهَا إلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْإِضَافَةِ أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِلَّا وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ أَحَدِ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ دُونَ الطَّلَاقِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ فِي الْكِنَايَاتِ الْبَوَائِنِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ بَيْنُونَةِ النِّكَاحِ، وَفِي التَّنْقِيحِ قَالُوا وَكِنَايَاتُ الطَّلَاقِ تَطْلُقُ مَجَازًا لِأَنَّ مَعَانِيهَا غَيْرُ مُسْتَتِرَةٍ لَكِنَّ الْإِبْهَامَ فِيمَا يَتَّصِلُ بِهَا كَالْبَائِنِ مَثَلًا فَإِنَّهُ مُبْهَمٌ فِي أَنَّهَا بَائِنَةٌ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ عَنْ النِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَى نَوْعًا مِنْهَا تَعَيَّنَ وَتَبَيَّنَ بِمُوجِبٍ الْكَلَامِ، وَلَوْ جُعِلَتْ كِنَايَةً حَقِيقَةً تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِمَا يَسْتَتِرُ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ الْمُسْتَتِرُ هُنَا الطَّلَاقُ فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَبِتَفْسِيرِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ وَيُقْصَدَ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٌ لَهُ فَيُرَادُ بِالْبَائِنِ مَعْنَاهُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ بِنِيَّةٍ إلَى الطَّلَاقِ فَتَطْلُقُ عَلَى صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ لَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الطَّلَاقُ وَتَمَامُهُ فِي التَّلْوِيحِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ وَاحِدَةً لَيْسَ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ بِتَفْسِيرِ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ وَلَكِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ لَكِنَّهُ كِنَايَةٌ بِاعْتِبَارِ اسْتِتَارِ الْمُرَادِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَوْ لَا أُرِيدُ أَوْ لَا أُحِبُّك أَوْ لَا أَشْتَهِيك أَوْ لَا رَغْبَةَ لِي فِيك فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي التَّنْقِيحِ قَالُوا. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ إطْلَاقَ الْكِنَايَةِ عَلَى كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَجَازٌ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ الْأُصُولِيِّينَ لَهَا بِمَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ مِنْهَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَتِرَ الطَّلَاقُ وَهَذَا مُقَابِلٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا كِنَايَاتٌ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا هُوَ الْبَيْنُونَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute