مَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ، وَيَدُلُّ عَلَى الْإِشْكَالِ عَكْسُهُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ يَقَعُ.
(قَوْلُهُ: لَا الْبَائِنُ) أَيْ الْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً وَلَا يُرَدُّ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ فِيهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْإِنْشَاءِ شَرْعًا حَتَّى لَوْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ الْإِخْبَارَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَالْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ الْكِنَايَةُ الْمُفِيدَةُ لِلْبَيْنُونَةِ بِكُلِّ لَفْظٍ كَانَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الْإِنْشَاءِ فِي الطَّلَاقِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ خَلَعْتُك، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: إذَا طَلَّقَ الْمُبَانَةَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَقَعَ وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى اهـ.
وَمُرَادُهُ مَا عَدَا الرَّوَاجِعَ وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْجِنْسِ السَّادِسِ مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ لَوْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَلَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ فَإِنَّ هَذَا بَائِنٌ لَحِقَ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ بَائِنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَمُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ صِحَّةُ الْخُلْعِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِكَوْنِ الْمُرَادِ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ عَدَمُ لُزُومِ الْمَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ صَرَّحَ فِي عَكْسِهِ، وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنَّهُ يَقَعُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ فَلَا بُدَّ فِي الْوُقُوعِ مِنْ قَبُولِهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ: أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ لَا يَقَعُ إلَّا بِقَبُولِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ لَا يَلْزَمُهَا، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْجَامِعِ وَهِيَ رِوَايَةٌ فِي وَاقِعَةِ الْفَتَاوَى خَالَعَهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَتْ فِي عِدَّةِ الثَّانِي بَقِيَ لِي طَلَاقٌ وَاحِدٌ اشْتَرَيْته مِنْك بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ حَتَّى تَكْمُلَ الثَّلَاثُ فَقَالَ الزَّوْجُ بِعْت الطَّلَاقَ الثَّالِثَ مِنْك بِعَشَرَةٍ وَقَالَتْ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ يَقَعُ الثَّالِثُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّهُ إعْطَاءُ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْخَلَاصِ الْمُنَجَّزِ وَأَنَّهُ حَاصِلٌ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ قَبُولِهَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ تَعْلِيقُ طَلَاقِهَا بِالْقَبُولِ فَلَا يَقَعُ بِلَا وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ.
وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَبَنْتُك بِتَطْلِيقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفَرَّقَ فِي الذَّخِيرَةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّا إذَا أَلْغَيْنَا بَائِنًا يَبْقَى قَوْلُهُ: طَالِقٌ وَبِهِ يَقَعُ، وَلَوْ أَلْغَيْنَا أَبَنْتُكِ يَبْقَى قَوْلُهُ: بِتَطْلِيقَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ وَقَيَّدْنَا بِإِمْكَانِ كَوْنِهِ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ نَوَى بِالْبَائِنِ الثَّانِي الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ قِيلَ يُصَدَّقُ فِيمَا نَوَى وَيَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْبَيْنُونَةِ، وَالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ صِفَةٌ لِلْبَيْنُونَةِ فَإِذَا لَغَتْ النِّيَّةُ فِي أَصْلِ الْبَيْنُونَةِ لِكَوْنِهَا حَاصِلَهُ لَغَتْ فِي إثْبَاتِ وَصْفِ التَّغْلِيظِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُونَ عَلَى الْوُقُوعِ لَكِنْ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي فَكَانَ الْوُقُوعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَبَنْتُكِ أُخْرَى يَقَعُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ جَوَابًا اهـ.
أَيْ لَا يَصْلُحُ كَوْنُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ، وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ فِي عِدَّتِهَا أَنْت بَائِنٌ بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى يَقَعُ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْت بَائِنٌ نَاوِيًا طَلْقَةً ثَانِيَةً أَنْ تَقَعَ الثَّانِيَةُ بِنِيَّتِهِ لِأَنَّهُ بِنِيَّتِهِ لَا يَصْلُحُ خَيْرًا فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى
ــ
[منحة الخالق]
الطَّلَاقُ بِمَالٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِكَوْنِ الْمُرَادِ. . . إلَخْ) هَذَا بَعِيدٌ كَمَا فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: قَدْ عَلِمْت الْمُخَلِّصَ بِحَمْلِ الصَّرِيحِ فِي قَوْلِهِمْ، وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ عَلَى الصَّرِيحِ الرَّجْعِيِّ، وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ صَرِيحٌ بَائِنٌ فَلَا يَلْحَقُهُ الْخُلْعُ وَقَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ الْفَرْقُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يَخْفَى فَإِنَّ عَدَمَ لُزُومِ الْمَالِ فِي الْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ سَيَذْكُرُ وَجْهَهُ قَرِيبًا وَهُوَ أَنَّ إعْطَاءَ الْمَالِ لِتَحْصِيلِ الْخَلَاصِ الْمُنَجَّزِ وَأَنَّهُ حَاصِلٌ أَيْ لِأَنَّ الْخَلَاصَ الْمُنَجَّزَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ عِدَّةٍ حَاصِلٌ بِالْخُلْعِ فَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَهُ وَقَعَ بَائِنًا، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَهُ وَإِذَا كَانَ بِمَالٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمَالُ أَيْضًا لِذَلِكَ أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا طَلَّقَهَا أَوَّلًا بِمَالٍ يَلْزَمُ الْمَالُ بِلَا شُبْهَةٍ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَحْصُلْ الْخَلَاصُ الْمُنَجَّزُ فَيَلْزَمُ الْمَالُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ثُمَّ إذَا خَلَعَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَقَعْ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ الْخَلَاصُ الْمُنَجَّزُ فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى عَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْعِوَضُ الْمَقْصُودُ بِهِ بِشَيْءٍ طَارِئٍ عَلَيْهِ بَلْ يَلْغُو ذَلِكَ الطَّارِئُ إذْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِلْغَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ قَبْلَهُ وَهَذَا الْوَجْهُ مُعَيِّنٌ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرِيحِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الصَّرِيحَ الْبَائِنَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي وُقُوعِ الْبَائِنِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ فَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى انْدِفَاعُهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ إلْغَاءِ النِّيَّةِ فِي أَصْلِ الْبَيْنُونَةِ لِكَوْنِهَا حَاصِلَةً وَكَذَا مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْحَاوِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَقَعُ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى عَلَى أَنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِإِمْكَانِ كَوْنِهِ خَبَرًا ظَاهِرًا فِي كَوْنِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لَا عَمَّا لَوْ نَوَى بِهِ طَلْقَةً ثَانِيَةً لِأَنَّ كُلَّ بَائِنٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ فَإِذَا نَوَى بِالْبَائِنِ الثَّانِي الطَّلَاقَ وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لَا يَقَعُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ بِخُصُوصِهِ وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا إذَا نَوَى بِهِ الْأَوَّلَ فَعُدُولُهُمْ عَنْ التَّعْبِيرِ بِهَذَا إلَى التَّعْبِيرِ بِالْإِمْكَانِ الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جَعْلُ الثَّانِي خَبَرًا لَا يَقَعُ، وَإِنْ نَوَى بِهِ طَلْقَةً أُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute