للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا عُرْفَ إلَّا جَوَابًا كَذَا جَعَلْت الْخِيَارَ إلَيَّ أَوْ أَمْرِي بِيَدِي فَطَلَّقَتْ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلتَّفْسِيرِ فَاعْتُبِرَ الْمُفَسِّرُ وَلَغَا لِفَقْدِ التَّمْلِيكِ سَابِقًا بِخِلَافِ الْوَاوِ لِأَنَّهُ لِلِابْتِدَاءِ فَتَقَعَ رَجْعِيَّةً وَتَتَخَيَّرُ إذْ يُوقِفُ مَالَهُ إنْشَاؤُهُ وَهُوَ التَّخْيِيرُ دُونَ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْتَنِدْ لِأَنَّهُ سَبَبٌ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لِلتَّعْلِيقِ بِهَا فَاعْتُبِرَ الْمَجْلِسُ بَعْدَهَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ قَبْلَهَا فِي تَعْلِيقِ الْفُضُولِيِّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ فَاعْتُبِرَ سَبَبًا حَالَ الْعَقْدِ كَذَا جَعَلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي، وَفِي قُلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي الْيَوْمَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الْوَقْتَ ثَمَّ لِلْجَعْلِ، وَالْمَجْلِسَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَهُنَاكَ لِلْأَمْرِ فَانْتَهَى بِمُضِيِّهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ تَصِحَّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْخُلُوصَ، وَالصَّفَا فَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، وَالْبَيْنُونَةُ ثَبَتَتْ فِيهِ مُقْتَضًى فَلَا يَعُمُّ بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ لِتَنَوُّعِ الْبَيْنُونَةِ إلَى غَلِيظَةٍ وَخَفِيفَةٍ قَيَّدَ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ صَحِيحَةٌ فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِينَ إنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ مُنْتَفٍ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ قَوْلًا بِكَمَالِ الِاسْتِخْلَاصِ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْوَاحِدَةِ وَسَيَأْتِي مَا إذَا أَجْمَعَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ، وَالِاخْتِيَارِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ التَّخْيِيرِ غَيْرَ مَقْرُونٍ بِعَدَدٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي ثَلَاثًا فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الثَّلَاثِ دَلِيلُ إرَادَةِ اخْتِيَارِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَعَدَّدُ وَقَوْلُهَا اخْتَرْت يَنْصَرِفُ إلَيْهِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ فَإِنْ كَرَّرَ التَّخْيِيرَ بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي اخْتَارِي وَنَوَى بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الطَّلَاقَ فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَخْيِيرٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهَا اخْتَرْت جَوَابًا لَهُمَا، وَالْوَاقِعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا طَلَاقٌ بَائِنٌ وَكَذَا إذَا ذُكِرَ الثَّانِي بِحَرْفِ الْوَاوِ أَوْ الْفَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ اخْتَرْت الْأُولَى إلَى آخِرِهِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ بَطَلَ خِيَارُهَا) لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا فَيَبْطُلُ بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا أَطْلَقَ الْقِيَامَ فَشَمِلَ مَا إذَا أَقَامَهَا الزَّوْجُ قَهْرًا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِأَنَّهُ يُمَكِّنُهَا مِمَّا نَعَتَهُ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ الْمُبَادَرَةِ حِينَئِذٍ إلَى اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا فَعَدَمُ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْإِعْرَاضِ كَمَا إذَا جَامَعَهَا مُكْرَهَةً فِي مَجْلِسِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَرَادَ بِالْعَمَلِ الْآخَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ لَا مُطْلَقِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَوْ خَيَّرَهَا فَلَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِأَنَّ اللُّبْسَ قَدْ يَكُونُ لِتَدْعُوَ الشُّهُودَ، وَالْعَطَشَ قَدْ يَكُونُ شَدِيدًا يَمْنَعُ مِنْ التَّأَمُّلِ

ــ

[منحة الخالق]

لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا مَا يَكُونُ لَهُ إنْشَاؤُهُ وَهُوَ التَّخْيِيرُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا دُونَ مَا لَيْسَ لَهُ إنْشَاؤُهُ كَالِاخْتِيَارِ.

وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَسْتَنِدْ. . . إلَخْ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَا قَالَتْ فَطَلَّقْت بِالْفَاءِ، وَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ الْجَعْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا طَلُقَتْ بَعْدَمَا صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَعْلَ لَمْ يَسْتَنِدْ بِالْإِجَازَةِ لِعَدَمِ قَبُولِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَالِكِيَّةِ التَّصَرُّفِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَاضِي مُحَالٌ فَكَذَا مَالِكِيَّتُهُ فَكَانَ قَوْلُهَا سَبَبًا لِمَالِكِيَّتِهَا أَمْرَهَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فُضُولِيٌّ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ مُطْلَقًا وَيَنْفُذُ عِنْدَهَا لِتَعَلُّقِ النَّفَاذِ بِهَا وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ قَامَتْ بَعْدَ الْجَعْلِ قَبْلَ إجَازَةِ الزَّوْجِ لَا يَبْطُلُ وَكَذَا لَا يُعْتَدُّ بِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي تَعْلِيقِ الْفُضُولِيِّ طَلَاقَ امْرَأَةٍ بِدُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ ثُمَّ أَجَازَ لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا وَلَا بُدَّ لِلطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ مِنْ وُجُودِ شَرْطٍ مُسْتَأْنَفٍ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَ سَبَبًا حَالَ صُدُورِ عَقْدِ الْفُضُولِيِّ حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ، وَالْمُنْفَصِلَةَ.

وَقَوْلُهُ: كَذَا. . . إلَخْ أَيْ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ: جَعَلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي فَقَالَ الزَّوْجُ أَجَزْت لَا يَقَعُ، وَإِنْ زَادَتْ وَاخْتَرْت نَفْسِي لَكِنْ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ إذْ نَوَى الطَّلَاقَ، وَلَوْ قَالَتْ لَهُ قُلْت أَمْسِ أَمْرِي بِيَدِي الْيَوْمَ كُلَّهُ فَقَالَ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَا خِيَارَ لَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ وَهُوَ أَمْسِ فِي الْأُولَى لِبَيَانِ وَقْتِ الْجَعْلِ لَا لِتَوْقِيتِ جَعْلِ الْأَمْرِ بِيَدِهَا فَبَقِيَ الْجَعْلُ مُطْلَقًا فَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهَا قَبْلَهُ أَمَّا هُنَا الْوَقْتُ لِتَوْقِيتِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَيَنْتَهِي بِمُضِيِّ وَقْتِهِ لِأَنَّ قَوْلَهَا قُلْت أَمْسِ. إلَخْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ كُلَّهُ فَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ بِالْيَدِ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِجَازَةِ بِصِفَةِ التَّوَقُّفِ فَلَغَتْ الْإِجَازَةُ لِفَقْدِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْفَارِسِيِّ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: فَلَبِسَتْ ثَوْبًا) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِكَوْنِهَا قَاعِدَةً وَهَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا لَبِسَتْهُ قَائِمَةً يَبْطُلُ، وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْقِيَامَ بِانْفِرَادِهِ مُبْطِلٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ حُكْمُ اللُّبْسِ فَقَطْ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ أَوَلَبِسَتْ ثِيَابًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ اهـ.

قُلْت الْإِشْكَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ الْمُرَادُ بِهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا لَبِسَتْ ثِيَابَهَا مِنْ غَيْرِ قِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>