للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فَإِنَّ حُكْمَهُ فِيهِ كَحُكْمِهِ وَدَخَلَ فِي الْعَمَلِ الْكَلَامُ الْأَجْنَبِيُّ فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَقَيَّدَ بِالِاخْتِيَارِ لِأَنَّ الصَّرْفَ، وَالسَّلَمَ لَا يَبْطُلَانِ بِالْإِعْرَاضِ بَلْ بِالِافْتِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ، وَالْإِيجَابُ فِي الْبَيْعِ يَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْ الْقَائِلِ وَأَفَادَ بِعِطْفِهِ الْأَخْذَ فِي الْعَمَلِ عَلَى الْقِيَامِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَمَلٌ آخَرُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَهَكَذَا بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ الْبَعْضِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ إلَّا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهَا لَوْ قَامَتْ لِتَدْعُوَ شُهُودًا وَتَحَوَّلَتْ مِنْ مَكَانِهَا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ بَطَلَ خِيَارُهَا عِنْدَ الْبَعْضِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِعَدَمِ الْإِعْرَاضِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَحَوَّلْ لَا يَبْطُلُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَقَّتًا كَمَا إذَا قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَك الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا سَوَاءٌ أَعْرَضَتْ عَنْ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ لَا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ.

(قَوْلُهُ: وَذِكْرُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا شَرْطٌ) فَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْتُ وَقَعَ فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ فِي كَلَامَيْهِمَا فَبِالْأَوْلَى وَإِذَا خَلَتْ عَنْ كَلَامَيْهِمَا لَمْ يَقَعْ، وَالِاخْتِيَارَةُ كَالنَّفْسِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ خُصُوصُ النَّفْسِ أَوْ الِاخْتِيَارَةِ بَلْ كُلُّ لَفْظٍ قَامَ مَقَامَهُمَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ مُبْهَمٌ، وَإِنْ كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنَّمَا هُوَ بِالنَّفْسِ لِأَنَّهُ عُرِفَ مِنْ إجْمَاعِهِمْ اعْتِبَارُ مُفَسَّرٍ لَفْظًا مِنْ جَانِبٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي غَيْرُ الْمُفَسَّرِ وَأَمَّا خُصُوصُ لَفْظِ الْمُفَسَّرِ فَمَعْلُومُ الْإِلْغَاءِ فَدَخَلَ فِيهِ ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ وَتَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتَارِي وَقَوْلُهَا أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ بِخِلَافِ اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَهَا أَخٌ فَقَالَتْ اخْتَرْت أَخِي يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ: اخْتَارِي أَهْلَك أَوْ الْأَزْوَاجَ فَاخْتَارَتْهُمْ وَقَعَ اسْتِحْسَانًا وَكَذَا أَبَاك وَأُمَّك أَوْ زَوْجَك وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ فَخَيَّرَهَا فِيهِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي قَوْمَك أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْك لَا يَقَعُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ جَعَلَ مُحَمَّدٌ الْأَهْلَ اسْمًا لِلْأَبَوَيْنِ، وَالْقَوْمَ اسْمًا لِسَائِرِ الْأَقَارِبِ وَقَوْلُهُ: حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّهُ مِنْ أَرْبَابِ اللُّغَةِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُفَسَّرَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ثَمَانِيَةُ أَلْفَاظٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْعَدَدَ فِي كَلَامِهِ مُفَسَّرٌ فَهِيَ تِسْعٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نِيَّةِ الْمُفَسَّرِ مِنْ الِاتِّصَالِ فَلَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ عَنَيْت نَفْسِي يَقَعُ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ تَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ، وَفِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ هَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَإِنْ صَدَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا، وَإِنْ خَلَا كَلَامُهُمَا عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّصَادُقَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ مُعْتَبَرٌ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْإِيقَاعُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فِيهِ وَلَوْلَا هَذَا لَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِتَفْسِيرِ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ دُونَ الْمَقَالِيَّةِ بَعْدَ أَنْ نَوَى الزَّوْجُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ بَاطِلٌ وَإِلَّا لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَعَ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَصْلًا كاسقني وَبِهَذَا بَطَلَ اكْتِفَاءُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْقَرِينَةِ عِنْدَ ذِكْرِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ اهـ.

وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّصَادُقِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَقَالَتْ أَنَا أَخْتَارُ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْتُ نَفْسِي تَطْلُقُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ أَيْ تَبَيَّنَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ قَوْلُهَا اخْتَرْت نَفْسِي، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَفَادَهَا بِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ كَلَامَيْهِمَا لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَالْمُضَارِعِ فِي جَوَابِهَا الْمُقَيَّدِ بِالنَّفْسِ لِيُشِيرَ إلَى أَنَّ لَفْظَ أَنَا مَعَ الْمُضَارِعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ بِالْمُضَارِعِ، وَإِنْ كَانَ لِلْوَعْدِ لِقِصَّةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَتَكْرَارُ لَفْظِ اخْتَارِي) كَوْنُ التَّكْرَارِ مُفَسِّرًا لِإِرَادَةِ الطَّلَاقِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ أَمَّا مَنْ اشْتَرَطَهَا لَا يَجْعَلُ التَّكْرَارَ مُفَسِّرًا لِلْمُرَادِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِهِ عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ، وَالْإِلْزَامُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الِاخْتِيَارِ مُبْهَمًا بِلَا مُفَسِّرٍ لَفْظِيٍّ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ تَحْقِيقِهِ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَالَ فِي النَّهْرِ وَذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّاجِيَّةِ بِقِيلَ، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ الْحَقُّ اهـ.

وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ حَيْثُ قَالَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا صَدَّقَهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ عَلَى أَنَّهَا نَوَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ كَانَ اللَّفْظُ صَالِحًا لِلْإِيقَاعِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْكَمَالِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ تَصَادَقَا عَلَى الطَّلَاقِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَى أَنَّ لَفْظَ أَنَا. . . إلَخْ) اُنْظُرْ مَا الْمُعَلَّلُ بِهَذَا التَّعْلِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>