للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الظَّاهِرَ فِي مَسْأَلَةِ رَدِّ التَّفْوِيضِ أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ نَقَلَ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَة بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْأَمْرِ كَمَا لَا تَمْلِكُ رَدَّ الْإِيقَاعِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا وَجْهَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَا تَكَلَّفَهُ ابْنُ الْهُمَامِ، وَالشَّارِحُونَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: لَهُ امْرَأَتَانِ جَعَلَ أَمْرَ إحْدَاهُمَا بِيَدِ الْأُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَ الْمُفَوِّضُ إلَيْهَا بَائِنًا أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ نَفْسِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا عَلَى مَا مَرَّ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ اهـ.

الثَّالِثَةُ: مَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَالْهِدَايَةِ وَعَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ نَحْوُ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يُقْدِمُ فُلَانٌ أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ وَبِهِ خَالَفَ أَيْضًا سَائِرَ التَّمْلِيكَاتِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ ثَلَاثًا إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ اخْتَرْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لِلْحَالِ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا قَبْلَ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا بَطَلَ اهـ.

وَدَفَعَهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي لَيْسَ فِيهِ تَعْلِيقُ الْأَمْرِ وَلَا إضَافَتُهُ لِأَنَّهُ مُنَجَّزٌ، وَقَوْلُهُ: فَطَلِّقِي نَفْسَك تَفْسِيرٌ لَهُ فَكَانَ التَّعْلِيقُ مُرَادًا بِلَا لَفْظٍ وَلَيْسَ الْمُنَجَّزُ مُحْتَمِلًا لِلتَّعْلِيقِ فَلَا يَكُونُ مُعَلَّقًا، وَإِنْ نَوَاهُ.

(قَوْلُهُ: وَفِي أَمْرُكِ بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا يَدْخُلُ) أَيْ اللَّيْلُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ آخَرَ فَكَانَ جَمْعًا بِحَرْفِ الْجَمِيعِ فِي التَّمْلِيكِ الْوَاحِدِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فِي يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ اسْتِعْمَالًا لُغَوِيًّا وَعُرْفِيًّا فَقَوْلُ الشَّارِحِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، وَقَدْ يَهْجُمُ اللَّيْلُ وَمَجْلِسُ الْمَشُورَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ اللَّيْلِ فِي الْيَوْمِ الْمُفْرَدِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ رَدَّتْ فِي يَوْمِهَا لَمْ يَبْقَ فِي الْغَدِ) يَعْنِي إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فِي يَوْمِهَا انْتَهَى مِلْكُهَا فَلَا تَمْلِكُ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْيَوْمَ وَغَدًا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَأَمْرُك بِيَدِك غَدًا فَهُمَا أَمْرَانِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَعَزْوُهُ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا الْفَرْعَ إلَى أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ خِلَافٍ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ خَرَّجَهُ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لَيْلًا، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ غَدًا بَعْدَ غَدٍ فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ مُتَرَادِفَةٌ كَقَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك أَبَدًا فَيَرْتَدُّ بِرَدِّهَا مَرَّةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا ثَلَاثَةَ أُمُورٍ لِأَنَّهَا أَوْقَاتٌ حَقِيقَةٍ كَذَا فِي جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى الْغُرُوبِ فَقَطْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَمْرُك بِيَدِك فِي الْيَوْمِ أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً فَلَهَا الْأَمْرُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ إلَى اسْتِكْمَالِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا بِشَيْءٍ آخَرَ وَيَكُونُ الشَّهْرُ هُنَا بِالْأَيَّامِ إجْمَاعًا، وَلَوْ عَرَفَ فَقَالَ هَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ وَيَكُونُ الشَّهْرُ هُنَا عَلَى الْهِلَالِ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ إذَا قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الشَّهْرِ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُتَّحِدٌ، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْتُ زَوْجِي بَطَلَ خِيَارُهَا فِي الْيَوْمِ وَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْغَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

ــ

[منحة الخالق]

وَالتَّوْفِيقُ سَهْوٌ اهـ.

وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا تَأْيِيدَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُفَوَّضُ إلَيْهَا بَائِنًا) أَيْ طَلَّقَ الْمَرْأَةَ الَّتِي جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ: يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا أَيْ بِيَدِ الْأُخْرَى أَيْ يَعُودُ كَمَا كَانَ تَأَمَّلْ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ امْرَأَةٍ أُخْرَى ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ خَلَعَهَا لَا يَبْطُلُ الْأَمْرُ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِثْلُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ عَبَّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ يَصِيرُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بِقَوْلِهِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا.

(قَوْلُهُ: وَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي الْغَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يَخْلُو عَنْ احْتِيَاجٍ إلَى تَأَمُّلِ وَجْهِهِ إذْ مُقْتَضَى كَوْنِهِ أَمْرًا وَاحِدًا أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُهَا فِي الْغَدِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ رَأَيْته فِي الدِّرَايَةِ وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْيَدِ تَمْلِيكٌ نَصًّا تَعْلِيقٌ مَعْنًى فَمَتَى لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّمْلِيكِ وَمَتَى ذَكَرَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّعْلِيقِ انْتَهَى كَلَامُ النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَمِثَالُ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ أَمْرُك بِيَدِك وَمِثَالُ مَا إذَا ذَكَرَهُ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ أَمْرُك بِيَدِك إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَبْقَى الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْغَدِ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا الْيَوْمَ فِي أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالتَّنَاقُضُ بِحَالِهِ فَتَأَمَّلْ اهـ.

قُلْت: وَوَجْهُهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ بِيَدِهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ فَإِعْرَاضُهَا فِي بَعْضِهِ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهَا فِي الْجَمِيعِ كَمَا إذَا قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا أَوْ اشْتَغَلَتْ بِأَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ وَغَدًا أَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ فَلَهَا الْأَمْرُ فِي الْوَقْتَيْنِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فِي أَيِّهِمَا شَاءَتْ وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْتَيْنِ وَهَلْ يُبْطِلُ خِيَارَهَا زَوْجُهَا فَهُوَ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الِاخْتِلَافِ اهـ.

فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ جَارٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>