وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك هَذِهِ السَّنَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ فِي بَاقِي السَّنَةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَاحِدَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَلَهَا الْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ طَلْقَاتِ هَذَا الْمِلْكِ مَا اُسْتُوْفِيَتْ بَعْدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِلْكِ، وَقَدْ بَطَلَ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَالْأَمْرُ بِيَدِهَا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ تُحْفَظُ بِالسَّاعَاتِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ يَقَعُ بَعْدَ السَّنَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ لِلْحَالِ، وَالْعِتْقُ كَالطَّلَاقِ وَقَدَّمْنَا أَنْوَاعًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ هُنَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَالْكُلُّ ظَاهِرٌ إلَّا مَا فِيهِمَا مِنْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إلَى الشَّهْرِ كَالطَّلَاقِ إلَّا إذَا قَالَ: عَنَيْت بِالْإِبْرَاءِ إلَى الشَّهْرِ التَّأْخِيرَ يَكُونُ تَأْخِيرًا إلَيْهِ اهـ.
فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ إضَافَةِ الْإِبْرَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ مِنْ آخِرِ الْإِجَارَةِ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ وَقَيَّدَ بِاتِّحَادِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهُ بِأَنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَأَمْرُك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك وَأَمْرَك بِيَدِك كَانَا تَفْوِيضَيْنِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ لَا لِلْجَزَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَأَمْرُك بِيَدِك لِأَنَّ الْفَاءَ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا، وَلَوْ قَالَ: جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك فَأَمْرُك بِيَدِك فَهُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِك بِجَعْلِ الْأَمْرِ بِيَدِك كَقَوْلِهِ جَعَلْتُك طَالِقًا فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ قَالَ: قَدْ طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ وَاحِدَةً.
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ تَفْوِيضَيْنِ بِالْوَاوِ، وَالْفَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِمَا بِأَنْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك طَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِالْأَمْرِ الطَّلَاقَ يُصَدَّقُ قَضَاءً مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مَا وَصَلَ قَوْلُهُ: طَلِّقِي بِالْكَلَامِ الْمُبْهَمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْوَصْلِ فَكَانَ كَلَامًا مُبْتَدَأً فَلَمْ يَصِرْ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَطْفِ كَقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي فَطَلِّقِي فَاخْتَارَتْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَطَفَ قَوْلَهُ فَطَلِّقِي عَلَى التَّفْوِيضَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ فَلَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لَهُمَا فَبَقِيَ كَلَامًا مُبْتَدَأً وَقَوْلُهَا اخْتَرْت لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ فَلَا يَقَعُ، وَإِنْ طَلَّقَتْ يَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ يَصْلُحُ جَوَابًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي فَاخْتَارِي فَطَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ الثَّلَاثَ لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّفْوِيضَيْنِ الْمُبْهَمَيْنِ بِالْعَطْفِ وَهُوَ لِلِاشْتِرَاكِ فَصَارَ طَلِّقِي تَفْسِيرًا لَهُمَا وَكَذَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي وَاخْتَارِي أَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك وَأَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي اخْتَارِي فَطَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَالَ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً بِالْخِيَارِ الْأَخِيرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَطَلِّقِي تَفْسِيرٌ لِلْأَخِيرِ فَقَطْ وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارِي أَوْ اخْتَارِي فَأَمْرُك بِيَدِك فَالْحُكْمُ لِلْأَمْرِ حَتَّى إذَا نَوَى بِالثَّلَاثِ يَصِحُّ وَإِذَا أَنْكَرَ الثَّلَاثَ وَأَقَرَّ بِالْوَاحِدَةِ يَحْلِفُ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَصْلُحُ عِلَّةً، وَالِاخْتِيَارُ يَصْلُحُ حُكْمًا لَا عِلَّةً فَصَارَ الْحُكْمُ لِلْأَمْرِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَطَلِّقِي نَفْسَك أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك فَأَمْرُك بِيَدِك، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارِي فَطَلِّقِي فَاخْتَارَتْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ بِالْأَمْرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَاخْتَارِي تَفْسِيرٌ لِلْأَمْرِ، وَقَوْلُهُ: فَطَلِّقِي تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فَاخْتَارِي، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارِي طَلِّقِي نَفْسَك فَاخْتَارَتْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْأَمْرِ، وَالتَّخْيِيرِ طَلَاقًا فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّفْوِيضَيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَفِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَرَأْسَ الشَّهْرِ يَقَعُ وَاحِدَةً قِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الشَّهْرِ غَدًا أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَقَعَ طَلَاقَانِ فِي وَقْتَيْنِ وَقِيلَ مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ يُعْتَبَرُ الْفَاصِلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَطْلِيقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ فَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَى الْغُرُوبِ، وَلَوْ قَالَ فِي الْيَوْمِ تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ، وَلَوْ قَالَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَرَدَّتْهُ بَطَلَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَطَلَ فِي ذِكْرِ الْمَجْلِسِ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا لَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْقَلْبِ، وَلَوْ قَالَ الْيَوْمَ أَوْ شَهْرًا فَرَدَّتْهُ لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ عِنْدَ
ــ
[منحة الخالق]
تَنَاقُضَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَوْمِ، وَغَدًا الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَذَكَرَ أَنَّهَا لَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي الْيَوْمِ يَبْقَى فِي الْغَدِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَبْقَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَرَجَ الْأَمْرُ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ أَوْ قَالَتْ لَا أَخْتَارُ الطَّلَاقَ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَبْطُلُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ هَذَا، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ.
فَمَا هُنَا مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ مِثْلَ مَا مَرَّ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّصْحِيحَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ إضَافَةِ الْإِبْرَاءِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَأْجِيلٌ مَعْنًى وَلَيْسَ بِإِبْرَاءٍ مَحْضٍ لَا بِرَدِّ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute