أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّ هَذَا تَفْوِيضٌ وَاحِدٌ فَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَقَالَ هُوَ تَمْلِيكٌ نَصًّا تَعْلِيقٌ مَعْنًى فَمَتَى لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّمْلِيكِ وَمَتَى ذَكَرَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلتَّعْلِيقِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَكَثَتْ بَعْدَ التَّفْوِيضِ يَوْمًا وَلَمْ تَقُمْ أَوْ جَلَسَتْ عَنْهُ أَوْ اتَّكَأَتْ عَنْ قُعُودٍ أَوْ عَكَسَتْ أَوْ دَعَتْ أَبَاهَا لِلْمَشُورَةِ أَوْ شُهُودًا لِلْإِشْهَادِ أَوْ كَانَتْ عَلَى دَابَّةٍ فَوَقَفَتْ بَقِيَ خِيَارُهَا، وَإِنْ سَارَتْ لَا) أَيْ لَا يَبْقَى خِيَارُهَا لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا الْخِيَارُ فِي مَجْلِسِهَا وَأَنَّهُ يَتَبَدَّلُ حَقِيقَةً بِالْقِيَامِ أَوْ حُكْمًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَمَا ذَكَرَهُ لَمْ يَتَبَدَّلْ فِيهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَلِهَذَا بَقِيَ خِيَارُهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ حَقِيقَةً عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَقَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا أَخَذَ الزَّوْجُ بِيَدِهَا فَأَقَامَهَا أَوْ جَامَعَهَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَفِي الْأَصْلِ مِنْ نُسْخَةِ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْمُخَيَّرَةُ إذَا قَامَتْ لِتَدْعُوَ الشُّهُودَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ يَدْعُو الشُّهُودَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَتَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهَا أَوْ لَمْ تَتَحَوَّلْ فَإِنْ لَمْ تَتَحَوَّلْ لَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ تَحَوَّلَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بُطْلَانِ الْخِيَارِ إعْرَاضُهَا أَوْ تَبَدُّلُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْبَعْضِ أَيُّهُمَا وُجِدَ وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْإِعْرَاضُ وَهَذَا أَصَحُّ اهـ.
وَأَرَادَ بِسَيْرِ الدَّابَّةِ الْمُبْطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّفْوِيضِ بِمُهْلَةٍ فَلَوْ اخْتَارَتْ مَعَ سُكُوتِهِ، وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ طَلُقَتْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْجَوَابُ بِأَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ أَنْ يَسْبِقَ جَوَابُهَا خُطْوَتَهَا فَلَوْ سَبَقَ خُطْوَتُهَا جَوَابَهَا لَمْ تَبِنْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي السَّيْرِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَعَهَا عَلَى الدَّابَّةِ أَوْ الْمَحْمَلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا قَائِدٌ أَمَّا إذَا كَانَا فِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُمَا الْجَمَّالُ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ كَالسَّفِينَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَشَارَ بِالسَّيْرِ إلَى كُلِّ عَمَلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَدَخَلَ فِيهِ مَا لَوْ دَعَتْ بِطَعَامٍ فَأَكَلَتْ أَوْ اغْتَسَلَتْ أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ اخْتَضَبَتْ أَوْ اشْتَغَلَتْ بِالنَّوْمِ أَوْ جُومِعَتْ أَوْ ابْتَدَأَتْ الصَّلَاةَ أَوْ انْتَقَلَتْ إلَى شَفْعٍ آخَرَ فِي النَّقْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَنَزَلَتْ أَوْ تَحَوَّلَتْ إلَى دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ كَانَتْ نَازِلَةً فَرَكِبَتْ وَمَا لَوْ بَدَأَتْ بِعِتْقِ عَبْدٍ فَوَّضَ سَيِّدَهُ إلَيْهَا عِتْقَهُ قَبْلَ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَمَا لَوْ قَالَتْ أَعْطِنِي كَذَا إنْ طَلَّقْتنِي كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتُلِفَ فِي قَلِيلِ الْأَكْلِ فَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَكْلُ يُبْطِلُ، وَإِنْ قَلَّ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ قَلَّ لَا يُبْطِلُ، وَالشُّرْبُ لَا يُبْطِلُ أَصْلًا اهـ.
وَقَيَّدَ بِسَيْرِ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي السَّفِينَةِ فَسَارَتْ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَى كُلِّ عَمَلٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَدَخَلَ الْأَكْلُ الْيَسِيرُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالشُّرْبُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْعُوَ بِطَعَامٍ وَلُبْسُ ثَوْبِهَا مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ وَنَوْمُهَا مُضْطَجِعَةً وَقِرَاءَتُهَا وَتَسْبِيحُهَا قَلِيلًا، وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك وَأَمْرُ هَذِهِ أَيْضًا لِامْرَأَةٍ أُخْرَى بِيَدِك فَقَالَتْ طَلَّقْت فُلَانَةَ ثُمَّ قَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي جَازَ وَبِهَذَا لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَسَمَةٌ أَوْ هَدْيُ بَدَنَةٍ وَحَجَّةٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ شُكْرًا لِمَا فَعَلْت إلَيَّ، وَقَدْ طَلَّقْت نَفْسِي جَازَ وَبِمَا قَالَتْ لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ.
وَلَوْ لَمْ تَقُلْ هَكَذَا، وَلَكِنَّهَا قَالَتْ مَا تَصْنَعُ بِالْوَلَدِ ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسهَا يَقَعُ اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ تَكَلَّمَتْ بِكَلَامٍ هُوَ تَرْكٌ لِلْجَوَابِ كَمَا لَوْ أَمَرَتْ وَكِيلَهَا بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ أَجْنَبِيًّا بِهِ بَطَلَ خِيَارُهَا فَلَوْ قَالَتْ: لِمَ لَا تُطَلِّقُنِي بِلِسَانِك لَا يَبْطُلُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَتَبَدَّلُ بِهِ الْمَجْلِسُ لِأَنَّهُ كَلَامٌ زَائِدٌ اهـ.
أَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْكُلَّ الْمُبَدِّلَ لِلْمَجْلِسِ مَا يَكُونُ قَطْعًا لِلْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِفَاضَةً فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّلَاقُ اهـ.
وَدَخَلَ مَا لَوْ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَأَتَمَّتْهَا أَوْ فِي نَفْلٍ مُطْلَقٍ فَأَتَمَّتْ شَفْعًا فَقَطْ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَالْوِتْرُ بِمَنْزِلَةِ الْفَرِيضَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا كَانَ الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ مِنْ الزَّوْجِ فَهُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِأَيِّهِمَا بَدَأَتْ وَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا وَأَمْرَ عَبْدِهِ بِيَدِهَا فَبَدَأَتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ ثُمَّ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَفَرَّقُوا بَيْنَ عَبْدِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلُبْسُ ثَوْبِهَا مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ قَامَتْ أَوْ أَخَذَتْ فِي عَمَلٍ آخَرَ