مَا يُقَابِلُ الشَّيْءَ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْخِلَافِ سَوَاءٌ كَانَا وُجُودِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وُجُودِيٌّ، وَالْآخَرُ عَدَمِيٌّ وَقَدْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّ الْمَوْتَ عَدَمِيٌّ فَقَالَ وَالْحَيَاةُ مَا يَصِحُّ بِوُجُودِهِ الْإِحْسَاسُ وَقِيلَ مَا يُوجِبُ كَوْنَ الشَّيْءِ حَيًّا، وَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يُعْلَمَ وَيُقَدَّرَ، وَالْمَوْتُ عَدَمُ ذَلِكَ فِيهِ وَمَعْنَى خَلْقِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ إيجَادُ ذَلِكَ الْمُصَحِّحِ وَإِعْدَامُهُ قَالَ الطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَاشِيَتِهِ قَوْلُهُ وَالْمَوْتُ عَدَمُ ذَلِكَ فِيهِ الِانْتِصَافُ لِمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ عَدَمٌ وَاعْتِقَادُ السُّنِّيَّةِ أَنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ ضَادَّ الْحَيَاةَ وَكَيْفَ يَكُونُ عَدَمِيًّا وَقَدْ وُصِفَ بِكَوْنِهِ مَخْلُوقًا وَعَدَمُ الْحَوَادِثِ أَزَلِيٌّ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْدُومُ مَخْلُوقًا لَزِمَ وُقُوعُ الْحَوَادِثِ أَزَلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ: لَوْ كَانَ الْمَوْتُ عَدَمَ الْحَيَاةِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا وَقَدْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْنَى خَلْقِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ إيجَادُ ذَلِكَ الْمُصَحِّحِ وَإِعْدَامُهُ، وَهَذَا أَيْضًا مَنْظُورٌ فِيهِ وَقَالَ الْإِمَامُ: هِيَ الصِّفَةُ الَّتِي يَكُونُ الْمَوْصُوفُ بِهَا بِحَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يُعْلَمَ وَيُقَدَّرَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْتِ قِيلَ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَقِيلَ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِلْحَيَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك: ٢] وَالْعَدَمُ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ إلَى هُنَا كَلَامُ الطِّيبِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَوْتُ لَيْسَ بِعَدَمٍ مَحْضٍ وَلَا فِنَاءٍ صِرْفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّقُ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ وَمُفَارَقَتُهُ وَحَيْلُولَةٌ بَيْنَهُمَا وَتَبَدُّلُ حَالٍ وَانْتِقَالٌ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ وَالْحَيَاةُ عَكْسُ ذَلِكَ وَنَقَلَ أَقْوَالًا فِيهِمَا لَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ كَالْحَيَاةِ وَمَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا فِي الْكَشْفِ أَوْ الْقَدَرِيَّةِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ أَنَّهُ عَدَمِيٌّ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْمَوْتَ يَكُونُ بَعْدَ الْحَيَاةِ إذْ مَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ حَيَاةٌ لَا يُوصَفُ بِالْمَوْتِ حَقِيقَةً فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ؛ وَلِهَذَا قَالَ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْمَوْتِ بِعَدَمِ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا: وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا اُتُّفِقَ لَهَا اهـ.
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ يُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى الْجَوَابِ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: ٢٨] وَفِي الْكَشَّافِ، فَإِنْ قُلْت كَيْفَ قِيلَ لَهُمْ أَمْوَاتٌ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ جَمَادًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ مَيِّتٌ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْحَيَاةُ مِنْ الشَّيْءِ قُلْت بَلْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ جَمَادًا لِعَادِمِ الْحَيَاةِ كَقَوْلِهِ {بَلْدَةً مَيْتًا} [الفرقان: ٤٩] {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ} [يس: ٣٣] {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل: ٢١] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً فِي اجْتِمَاعِهِمَا فِي أَنْ لَا رُوحَ وَلَا إحْسَاسَ اهـ.
وَقَرَّرَ الْقُطْبُ فِي حَاشِيَتِهِ الِاسْتِعَارَةَ بِأَنْ يُشَبَّهَ الْجَمَادُ بِالْمَيِّتِ فِي عَدَمِ الرُّوحِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ اللَّفْظُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَتِمَّةٌ) نَافِجَةُ الْمَسْكِ طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ
(قَوْلُهُ: وَتُنْزَحُ الْبِئْرُ بِوُقُوعِ نَجِسٍ) لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ كُلُّهُ عِنْدَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ حَتَّى يُرَاقَ كُلُّهُ وَرَدَ عَلَيْهِ مَاءُ الْبِئْرِ نَقْضًا فِي أَنَّهُ لَا يُنْزَحُ كُلُّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَذَكَرَ أَحْكَامَهُ قَالَ الشَّارِحُونَ: وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَزْحِ الْبِئْرِ نَزْحُ مَائِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ كَقَوْلِهِمْ جَرَى الْمِيزَابُ وَسَالَ الْوَادِي وَأَكَلَ الْقِدْرَ وَالْمُرَادُ مَا حَلَّ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي إخْرَاجِ جَمِيعِ الْمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْبِئْرِ هُنَا هِيَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا تُنَجَّسُ بِوُقُوعِ نَجِسٍ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ وَالْمُرَادُ بِالنَّجِسِ هُنَا هُوَ الَّذِي لَيْسَ حَيَوَانًا كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ، وَأَمَّا أَحْكَامُ الْحَيَوَانِ الْوَاقِعُ فِيهَا فَسَنَذْكُرُهَا مُفَصَّلَةً وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَدِّرْ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ النَّجَاسَةِ فَأَيُّ نَجِسٍ وَقَعَ فِيهَا يُوجِبُ نَزْحَهَا، وَإِنَّمَا يُنَجَّسُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ بِقَلِيلِ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ تَفْسُدُ بِمَا يَفْسُدُ بِهِ الْحَوْضُ الصَّغِيرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان فِي التَّفَارِيقِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْبِئْرُ لَا تُنَجَّسُ كَالْمَاءِ الْجَارِي الْبِئْرُ إذَا لَمْ تَكُنْ عَرِيضَةً، وَكَانَ عُمْقُ مَائِهَا عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فَصَاعِدًا فَوَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِيهَا لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ اهـ.
وَعَزَاهُ فِي الْقُنْيَةِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ) فَاعِلُ قَالَ ضَمِيرٌ يَعُودُ إلَى صَاحِبِ الْكَشَّافِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute