للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَا الْمَدْيُونُ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ بِقَوْلِ الدَّائِنِ لَهُ أَبْرِئْ ذِمَّتَك عَامَلَ لِغَيْرِهِ بِالذَّاتِ وَلِنَفْسِهِ ضِمْنًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ فَلَوْ لَزِمَ وَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَقَدَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ طَلِّقِي وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك إذْ كُلُّ مَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ عَدِمَ الرُّجُوعَ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالتَّمْلِيكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ شَرْعًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ الْمُسْتَخْرَجِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ فَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْ تَوْكِيلٍ وَوِلَايَةٍ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ سَهْوٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ شَرْعًا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ بِالشَّرْطِ، وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَقَدْ اسْتَمَرَّ عَلَى سَهْوِهِ هَذَا، وَلَوْ قَالَ إنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ لَكَانَ صَحِيحًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْمُسْتَخْرَجَ يُمْكِنُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى: إنْ طَلَّقْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَأَمَّا التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ، وَالْوِلَايَاتُ فَلَا دَخْلَ لَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ طَلِّقِي، وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك وَهُوَ أَنَّهُمَا، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْعَمَلِ لِلنَّفْسِ بِتَمَلُّكِهَا نَفْسَهَا وَبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلِلْغَيْرِ بِامْتِثَالِ أَمْرِ الزَّوْجِ، وَالدَّائِنِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ مَحْظُورًا فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَامِلَةً لِنَفْسِهَا قَصْدًا وَلِهَذَا قَالُوا لَا يُكْرَهُ التَّفْوِيضُ وَهِيَ حَائِضٌ وَلَمَّا كَانَ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ مُسْتَحَبًّا سَبَبًا لِلثَّوَابِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَدْيُونُ عَامِلًا لَهُ لَا لِنَفْسِهِ لِيَحْصُلَ الثَّوَابُ لَهُ عَلَى فِعْلِ الْمُسْتَحَبِّ قَصْدًا لَا ضِمْنًا وَمِنْ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْوَكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَطَلَ تَوْكِيلُهُ الْكَفِيلَ بِمَالٍ أَنَّ قَوْلَ الدَّائِنِ أَبْرِئْ ذِمَّتَك تَمْلِيكٌ لَا تَوْكِيلٌ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَقْيِيدُهُ بِالْمَجْلِسِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْهُ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ وَمِنْ الْعَجَبِ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي فَصْلِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا أَنْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِانْتِقَاضِهِ بِالْهِبَةِ فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ وَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِالْمَجْلِسِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ.

وَذَكَرَ الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ مِمَّا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِيهِمَا تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا مَحْضًا فَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَكَانَ يَمِينًا فَلَمْ يُمْكِنْ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّفْوِيضِ فِي الْإِبْرَاءِ وَأَخَوَاتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ فَكَانَ تَوْكِيلًا مَحْضًا فَلَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَأَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَنْهُ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ: امْرَأَةٌ قَالَتْ لِزَوْجِهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْلَعْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ ذَلِكَ تَوْكِيلًا حَتَّى لَوْ نَهَتْهُ عَنْ ذَلِكَ صَحَّ نَهْيُهَا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَاعْتِقْنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ اهـ.

وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ إذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِخَلْعِ نَفْسِهَا فَخَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ بِمَالٍ أَوْ عَرَضٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَرْضَى وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: اشْتَرِ طَلَاقَك مِنِّي بِمَا شِئْت وَقَدْ وَكَّلْتُك بِذَلِكَ فَقَالَتْ قَدْ اشْتَرَيْته بِكَذَا كَذَا كَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ قَالَ: اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي بِكَذَا كَذَا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا وَلَا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ بِمَالٍ الَّذِي يَخْلَعُ بِغَيْرِ مَالٍ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْخُلْعِ اشْتَرِ نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ اشْتَرَيْت لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَقُلْ بِعْت، وَلَوْ قَالَ: اخْلَعِي نَفْسَك مِنِّي فَقَالَتْ خَلَعْت وَقَعَ بِلَا قَبُولِهِ.

(قَوْلُهُ: وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِهَا إلَّا إذَا أَرَادَ مَتَى شِئْت) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ وَهُوَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَإِذَا زَادَ مَتَى شِئْت كَانَ لَهَا التَّطْلِيقُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت وَمُرَادُهُ مِنْ مَتَى مَا دَلَّ عَلَى عُمُومِ الْوَقْتِ فَدَخَلَ إذَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إذَا عِنْدَ الْإِمَامِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَازَةِ) أَيْ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الْوَكَالَةُ، وَقَدْ مَرَّ جَوَابُ النَّهْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَنَّهُ يُمْكِنُ. . . إلَخْ) أَيْ لَوْ قَالَ صَاحِبُ الْفَتْحِ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ أَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ وَكَّلَ أَجْنَبِيًّا بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا مُمْكِنٌ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ الرُّجُوعُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>