للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبُولُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَبُولٌ قَبْلَ الْإِيجَابِ اهـ.

وَأَطْلَقَ الرَّجُلُ فَشَمِلَ مَا إذَا فَوَّضَهُ لِصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٍ فَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٍ فَذَلِكَ إلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ فِي ضِمْنِهِ تَعْلِيقٌ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَصَحَّحْنَاهُ بِاعْتِبَارِ التَّعْلِيقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنْ قَالَ لَك الْمَجْنُونُ أَنْت طَالِقٌ فَأَنْت طَالِقٌ وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ اهـ.

لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: رَجُلٌ فَوَّضَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ إلَى صَبِيٍّ قَالَ فِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ يَجُوزُ اهـ.

وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُعَبِّرُ لَا يَجُوزُ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا فِيهَا لِأَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ لِيَصِحَّ أَنْ يُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ الْعَقْلُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ جُنَّ الْمَجْعُولُ إلَيْهِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ فَطَلَّقَ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ اهـ.

فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّفْوِيضِ إلَى الْمَجْنُونِ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ طَرَيَان الْجُنُونِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَجُنَّ الْوَكِيلُ جُنُونًا يَعْقِلُ فِيهِ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ ثُمَّ بَاعَ الْوَكِيلُ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا مَجْنُونًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَ الْوَكِيلُ نَفَذَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَجْنُونًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ كَانَ التَّوْكِيلُ بِبَيْعٍ تَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْوَكِيلِ وَبَعْدَ مَا جُنَّ الْوَكِيلُ لَوْ نَفَذَ بَيْعُهُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا يَنْفُذُ أَمَّا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مَجْنُونًا وَقْتَ التَّوْكِيلِ فَإِنَّمَا وُكِّلَ بِبَيْعٍ تَكُونُ الْعُهْدَةُ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَإِذَا أَتَى بِذَلِكَ نَفَذَ بَيْعُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ اهـ.

وَفِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ لَا عُهْدَةَ أَصْلًا وَلَكِنَّ الزَّوْجَ حِينَ التَّفْوِيضِ لَمْ يُعَلِّقْ إلَّا عَلَى كَلَامِ عَاقِلٍ فَإِذَا طَلَّقَ وَهُوَ مَجْنُونٌ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَوَّضَ إلَى مَجْنُونٍ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ التَّفْوِيضِ إلَى مَجْنُونٍ وَتَوْكِيلِهِ بِالْبَيْعِ فَرْقٌ فَإِنَّهُ فِي التَّفْوِيضِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ أَصْلًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَفِي التَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَكَأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَعْتُوهِ وَمِنْ فَرْعَيْ التَّفْوِيضِ، وَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ ظَهَرَ أَنَّهُ تُسُومِحَ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَمْ يُتَسَامَحْ فِي الْبَقَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُتَسَامَحُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ، وَالْخَانِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُمَا وَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا مِنْ عَقْلِ الْوَكِيلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ مِمَّا خَالَفَ فِيهَا التَّمْلِيكُ التَّوْكِيلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالتَّطْلِيقِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت لَا يَقَعْ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَمَرَهُ بِتَطْلِيقِهَا إنْ شَاءَ وَلَمْ يُوجَدْ التَّطْلِيقُ بِقَوْلِهِ شِئْت فَلَوْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَ شِئْت وَقَعَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَشِيئَتُهُ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقْهَا فَقَالَ فَعَلْت وَقَعَ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَعَلْت كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ طَلَّقْت، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ لَا يَقَعُ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ رَجُلَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ قَالَ لَهُمَا طَلِّقَا امْرَأَتِي ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ التَّفْوِيضَ إلَيْهَا مَعَ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْأُولَى وَقَدَّمْنَا قَرِيبًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ الْفَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ قُلْ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك حَيْثُ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا إلَّا إذَا قَالَ لَهَا وَقَوْلُهُ: قُلْ لَهَا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك حَيْثُ يَكُونُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا مِنْ غَيْرِ قَوْلِ الرَّسُولِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَ امْرَأَتَهُ أَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا فَبَلَّغْنَاهَا، وَقَدْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بَعْدَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا قَالَ لَنَا فُوِّضَا إلَيْهَا فَفَعَلْنَا لَمْ يَجُزْ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَمَرَنَا أَنْ نُبَلِّغَ فُلَانًا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ قِنِّهِ فَأَعْلَمْنَاهُ ثُمَّ بَاعَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا اهـ.

وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إلَّا إذَا زَادَ إنْ شِئْت أَوْ شَاءَتْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ) تَأَمَّلْهُ مَعَ مَا يَأْتِي أَوَاخِرَ هَذِهِ السِّوَادَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ التَّوْكِيلُ بِالطَّلَاقِ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْوَكِيلِ وَلِذَا يَقَعُ مِنْهُ حَالَ سُكْرِهِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ الْعَقْلِ لِصِحَّةِ التَّوْكِيلِ ابْتِدَاءً.

<<  <  ج: ص:  >  >>