للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُعَلَّقًا بِالْمَحَبَّةِ فَقَالَتْ شِئْت وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَلْفٍ إنْ شِئْت لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَقْبَلَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَبِلْت لِأَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ، وَالْمُعَاوَضَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَبُولَ لَا يَكْفِي عَنْ الْمَشِيئَةِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِالْإِرَادَةِ فَأَجَابَتْ بِالْمَحَبَّةِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ بِالرِّضَا، وَفِي شَرْحِ الْمُسَابَرَةِ الرِّضَا تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الشَّيْءِ لِإِرَادَةِ وُقُوعِهِ، وَالْمَحَبَّةُ إرَادَةٌ خَاصَّةٌ وَهِيَ مَا لَا يَتْبَعُهَا تَبِعَةٌ وَمُؤَاخَذَةٌ، وَالْإِرَادَةُ أَعَمُّ فَهِيَ مُنْفَكَّةٌ عَنْهَا فِيمَا إذَا تَعَلَّقَتْ بِمَا يَتْبَعُهُ تَبَعَةٌ اهـ.

وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ حُكْمِ " مَتَى " وَأَخَوَاتِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَقَيَّدْ فِيهَا تَقَيَّدَ فِي " إنَّ " " وَلَا بُدَّ " مِنْ مَشِيئَتِهَا فِي مَجْلِسِهَا فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالرِّضَا، وَالْإِرَادَةِ وَكُلِّ مَا هُوَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمَشِيئَةَ الْمُضَافَةَ وَحَاصِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْوَقْتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ لَهَا فِي الْغَدِ فَقَطْ، وَإِنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ كَإِنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي الْحَالِ وَعَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي الْغَدِ فَلَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ شَاءَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ أَمْسِ إنْ شِئْت فَلَهَا الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ اهـ.

وَفِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ قَالَ لَهَا إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ فَشَاءَتْ طَلُقَتْ وَيَنْوِي فِي الْأُخْرَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ امْرَأَتَهُ مَعَهَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَمْلُوكٌ لَهُ لَا الْمَعِيَّةُ فِي الْوُقُوعِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا: أَخْرِجِي إنْ شِئْت يَنْوِي الطَّلَاقَ فَشَاءَتْ طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ شِئْت إنْ شِئْت إلَى كُلِّ مَشِيئَةٍ مُعَلَّقَةٍ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ أَيْضًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شِئْت وَشَاءَ فُلَانٌ فَقَالَتْ قَدْ شِئْت إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَقَالَ فُلَانٌ شِئْت لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَشِيئَةٍ مُرْسَلَةٍ مُنَجَّزَةٍ مِنْهَا وَهِيَ أَتَتْ بِمَشِيئَةٍ مُعَلَّقَةٍ فَبَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا وَبِمَشِيئَةِ فُلَانٍ وُجِدَ بَعْضُ الشَّرْطِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا وَعَدَمِ مَشِيئَتِهَا أَوْ بِمَشِيئَتِهَا وَإِبَائِهَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَحَاصِلُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ الْمَشِيئَةَ، وَالْإِبَاءَ شَرْطًا وَاحِدًا وَكَذَا الْمَشِيئَةُ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ أَبَدًا لِلتَّعَذُّرِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَأَبَيْت أَوْ إنْ شِئْت وَلَمْ تَشَائِي، وَإِنْ كَرَّرَ " إنْ " وَقَدَّمَ الْجَزَاءَ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَشَاءَتْ فِي مَجْلِسِهَا طَلُقَتْ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ غَيْرِ مَشِيئَةٍ تَطْلُقُ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَعَلَ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي فَأَيُّهُمَا وُجِدَ طَلُقَتْ، وَإِنْ أَخَّرَ الْجَزَاءَ كَإِنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ بِهَذَا أَبَدًا لِأَنَّهُ مَعَ التَّأْخِيرِ صَارَا كَشَرْطٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى يُوجَدَا نَحْوُ: إنْ أَكَلْت، وَإِنْ شَرِبْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ كَرَّرَ إنْ وَأَحَدُهُمَا الْمَشِيئَةُ، وَالْآخَرُ الْإِبَاءُ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت، وَإِنْ أَبَيْت فَإِنْ شَاءَتْ وَقَعَ، وَإِنْ أَبَتْ وَقَعَ، وَإِنْ سَكَتَتْ حَتَّى قَامَتْ عَنْ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ عَلَى حِدَةٍ، وَالْإِبَاءُ فِعْلٌ كَالْمَشِيئَةِ فَأَيُّهُمَا وُجِدَ يَقَعُ، وَإِنْ انْعَدَمَا لَا يَقَعُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُكَرِّرْ إنْ وَعَطَفَ بِأَوْ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ أَبَيْت لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِأَحَدِهِمَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْت طَالِقٌ طَلُقَتْ لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ كُنْت تُبْغِضِينَ فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا تُحِبَّ وَلَا تُبْغِضَ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِشَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ تَشَاءَ أَوْ لَا تَشَاءُ فَيَكُونُ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ ثَابِتًا لَا مَحَالَةَ فَوَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ أَبَيْت أَوْ كَرِهْت طَلَاقَك فَقَالَتْ أَبَيْت تَطْلُقُ.

وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَشَائِي طَلَاقَك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَتْ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَبَيْت صِيغَةٌ لِإِيجَادِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْإِبَاءُ فَقَدْ عَلَّقَ بِالْإِبَاءِ مِنْهَا، وَقَدْ وُجِدَ فَوَقَعَ فَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَشَائِي صِيغَةٌ لِلْعَدَمِ لَا لِلْإِيجَادِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ

ــ

[منحة الخالق]

بِالسَّهْوِ بِمَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرَ، وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ بِالنِّيَّةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ فَلَا يُحْكَمُ بِالسَّهْوِ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ مُفَرَّعًا عَلَى أَحَدِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ. . . إلَخْ) مَحَلُّ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ مَضَى طَلُقَتْ إذْ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الْمَتْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>