وَعَدَمُ الْمَشِيئَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِقَوْلِهَا لَا أَشَاءُ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَشَاءَ مِنْ بَعْدُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَارَاتِ اخْتَلَفَتْ فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت وَأَبَيْت بِدُونِ تَكْرَارِ إنْ فَنُقِلَ فِي الْوَاقِعَاتِ عَنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ أَبَدًا وَنُقِلَ قَبْلَهُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ الْمَشِيئَةُ، وَالْإِبَاءُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ وَذُكِرَ قَبْلَهُ أَنَّهَا إنْ شَاءَتْ يَقَعُ، وَإِنْ أَبَتْ يَقَعُ كَمَا لَوْ كَرَّرَ إنْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يُوجَدَ أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ إنْ شِئْت، وَإِنْ لَمْ تَشَائِي حَيْثُ لَا يَقَعُ وَبَيْنَ إنْ شِئْت وَأَبَيْت حَيْثُ يَقَعُ إذَا وُجِدَا وَأَشَارَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا إلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ عَدَدِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا أَيْضًا فَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ تَشَائِي وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَتْ وَاحِدَةً قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهَا لَزِمَتْهَا وَاحِدَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فُلَانٌ حَاضِرًا فَلَهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَرَى فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ تَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَرَ فُلَانٌ غَيْرَ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ رَأَى فُلَانٌ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَأَكْثَرِ الْمُؤَلَّفِينَ مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ قَالَ بَعْدَمَا قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ رَأَيْت غَيْرَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ الثَّلَاثَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ إنْ أَحَبَّ أَوْ إنْ رَضِيَ أَوْ إنْ هَوَى أَوْ إنْ أَرَادَ فَبَلَغَ فُلَانًا فَلَهُ مَجْلِسُ عِلْمِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ شِئْت أَنَا أَوْ إنْ أَحْبَبْت أَنَا لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَضِيَّةَ الْقِيَاسِ فِي الْأَجْنَبِيِّ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ لَكِنْ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي الْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَعْنًى وَجَوَابُ التَّمْلِيكِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِأَنَّ الزَّوْجَ كَانَ مَالِكًا لِلطَّلَاقِ قَبْلَ هَذَا فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّمْلِيكُ فَبَقِيَ هَذَا الشَّرْطُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ مُلْحَقًا بِسَائِرِ الشُّرُوطِ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَإِذَا قَالَ إنْ شِئْت أَنَا فَالزَّوْجُ كَيْفَ يَقُولُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ.
وَقَالَ مَشَايِخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ شِئْت الَّذِي جَعَلَتْهُ إلَيَّ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ شِئْت وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ شِئْت طَلَاقَك لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِقَوْلِهِ شِئْت وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ مُعَلَّقٌ بِمَشِيئَةٍ اُعْتُبِرَتْ شَرْطًا مَحْضًا فَعِنْدَ قَوْلِهِ شِئْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَعْلِيقَ الزَّوْجِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ قَلْبِ نَفْسِهِ لَيْسَ بِتَفْوِيضٍ وَتَمْلِيكٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ فُلَانٌ فَقَالَ فُلَانٌ لَا أَشَاءُ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِقَوْلِ الْأَجْنَبِيِّ لَا أَشَاءُ يَقَعُ الْيَأْسُ عَنْ شَرْطِ الْبِرِّ وَهُوَ مَشِيئَةُ طَلَاقِهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ تَبَدَّلَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَالِاعْتِبَارُ بِقَوْلِهِ لَا أَشَاءُ لَا اشْتِغَالُهُ بِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِيقَاعِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ فِي الْإِيقَاعِ السُّكُوتُ عَنْ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَقُومَ عَنْ الْمَجْلِسِ أَمَّا بِقَوْلِ الزَّوْجِ لَا أَشَاءُ لَا يَقَعُ الْيَأْسُ عَمَّا هُوَ شَرْطُ الْبِرِّ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ، وَإِنْ تَبَدَّلَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ إلَّا أَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَدَمُ الْمَشِيئَةِ فِي الْعُمُرِ، وَالْعُمُرُ بَاقٍ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ اهـ.
وَفِي الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ أَوْ أَرَادَ أَوْ رَضِيَ أَوْ هَوَى فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَجْلِسِ عِلْمِهِ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ إضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَشَأْ أَوْ إنْ لَمْ يُرِدْ فَقَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ قَالَ فِيهِ لَا أَشَاءُ طَلُقَتْ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَشَأْ الْيَوْمَ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَشَأْ إنْ لَمْ أُرِدْ فَقَامَ أَوْ قَالَ لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ إنْ أَبَيْت طَلَاقَك أَوْ كَرِهْت اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفُلَانَةُ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَشَاءَتْ وَاحِدَةً وَزَبَّبْتُ طَلُقَتْ فُلَانَةُ وَاحِدَةً وَيَبْطُلُ عَنْهَا الثَّلَاثُ اهـ.
وَأَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فَأَفَادَ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الْأَمْرَ خَرَجَ مِنْ يَدِهَا لِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا.
(قَوْلُهُ:
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute