فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَهُ غُلَامٌ فَقَالَ إنْ كَلَّمَ غُلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا أَحَدٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَشَارَ الْحَالِفُ إلَى الْغُلَامِ لَا إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ كَلَّمَ الْغُلَامَ بِنَفْسِهِ تَطْلُقُ، وَلَوْ كَانَ التَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ كَالتَّعْرِيفِ بِالْإِشَارَةِ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى نَفْسِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ تَعْرِيفَ الْحَاضِرِ بِالْإِشَارَةِ وَالْغَائِبِ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَفِي مَسْأَلَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَالِفُ حَاضِرٌ فَتَعْرِيفُهُ بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْإِضَافَةِ، وَلَمْ يُوجَدَا فَبَقِيَ مُنَكَّرًا فَدَخَلَ تَحْتَ اسْمِ النَّكِرَةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الِاسْمُ النَّسَبُ فِي الْغَائِبِ لَا فِي الْحَاضِرِ فَيَحْصُلُ بِهِمَا التَّعْرِيفُ، وَتَلْغُو الصِّفَةُ حَتَّى أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ لَوْ كَانَتْ فُلَانَةُ حَاضِرَةً عِنْدَ الْحَلِفِ فَبِذِكْرِ اسْمِهَا وَنَسَبِهَا لَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ، وَلَا تَلْغُو الصِّفَةُ، وَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالتَّزَوُّجِ هَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ وَالْإِشَارَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّنْكِيرَ بِوَجْهٍ مَا، وَالتَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ يَحْتَمِلُ التَّنْكِيرَ.
وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَا دَامَتْ عَمْرَةُ حَيَّةً أَوْ قَالَ حَتَّى تَمُوتَ عَمْرَةُ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ عَمْرَةَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عَمْرَةَ كَانَتْ مُشَارًا إلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهَا تَطْلُقُ، وَتَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ النَّكِرَةِ، وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ عَمْرَةُ حَاضِرَةً تَطْلُقُ، وَإِذَا كَانَتْ غَائِبَةً لَا تَطْلُقُ، وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَدَّمَ التَّعْلِيقَ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَخَّرَ الْمُعَلَّقَ بِهِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَائِلٌ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ خَصَّصَ أَوْ عَمَّمَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ مَرْفُوعًا «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» ، وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لِمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ كَالْعِتْقِ وَالْوَكَالَةِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ قَدْ تَدْعُوهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ حَالِهَا، وَيُخْشَى غَلَبَتُهَا عَلَيْهِ فَيُؤَيِّسُهَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِنِكَاحِهَا فِطَامًا لَهَا، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ، وَمَا هُوَ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَنَا لَكِنْ لَمَّا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطْلِقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا، وَيَعُدُّونَهُ طَلَاقًا إذَا وُجِدَ النِّكَاحُ نَفَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ هَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلْحَالِ أَوْ لَا نَفَيْنَاهُ وَأَثْبَتَهُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي ثَبَتَتْ سَبَبِيَّتُهُ شَرْعًا لِحُكْمٍ إذَا جُعِلَ جَزَاءَ الشَّرْطِ هَلْ نَسْلُبُهُ سَبَبِيَّتَهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ مَعْنَى الشَّرْطِ كَأَنْتِ طَالِقٌ، وَحُرَّةٌ جُعِلَ شَرْعًا سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ فَإِذَا دَخَلَ الشَّرْطُ مَنَعَ الْحُكْمَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا مَنَعَ سَبَبِيَّتَهُ فَتَفَرَّعَتْ الْخِلَافِيَّةُ فَعِنْدَنَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ، وَعِنْدَهُ طَلَاقٌ فَيَتَنَاوَلُهُ.
وَالْأَوْجَهُ قَوْلُنَا لِأَنَّ الْحِنْثَ هُوَ السَّبَبُ عَقْلًا لَا الْيَمِينُ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْحُكْمِ، وَالتَّعْلِيقُ مَانِعٌ مِنْ الْإِفْضَاءِ لِمَنْعِهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ، وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَصِيرُ أَسْبَابًا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ فَضَعُفَ قَوْلُهُ إنَّ السَّبَبَ هُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالشَّرْطُ لَمْ يَعْدَمْهُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْحُكْمَ، وَأُورِدَ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْجُ لَغَا كَطَالِقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَبِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا فَلَا يُلْغَى تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ، أَوْ نَقُولُ لَمَّا تُوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى الشَّرْطِ صَارَ الشَّرْطُ كَجُزْءِ سَبَبِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْبَيْعُ الْمُؤَجَّلُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ قَبْلَ حُلُولِهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ دَخَلَ عَلَى الثَّمَنِ فَقَطْ، وَكَذَا لَا يَرِدُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الشَّرْطَ بِعَلَى لِتَعْلِيقِ مَا بَعْدَهُ فَقَطْ لُغَةً فَآتِيك عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي: الْمُعَلَّقُ إتْيَانُ الْمُخَاطَبِ فَكَذَا قَوْلُهُ بِعْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيْ فِي الْفَسْخِ فَالْمُعَلَّقُ الْفَسْخُ لَا الْبَيْعُ، وَهُوَ مُنَجَّزٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ لَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ الْمُضَافُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ عِنْدَنَا سَبَبٌ فِي الْحَالِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ، وَهُوَ لِلْبِرِّ، وَهُوَ إعْدَامُ مُوجِبِ الْمُعَلَّقِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ أَمَّا الْإِضَافَةُ فَلِثُبُوتِ حُكْمِ السَّبَبِ فِي وَقْتِهِ لَا لِمَنْعِهِ فَيَتَحَقَّقُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَنَا إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَأَصْلُهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ لَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ فَالْجَوَابُ صَارَ ظَاهِرًا بَعْدَ اشْتِهَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ لَا قَبْلَهُ فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute