أَفَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا، وَهُوَ إنْ خَالَفَ ظَاهِرَ الْمُتُونِ لَكِنَّ الْمَعْنَى يُسَاعِدُهُ، وَالْقَوَاعِدُ لَا تَأْبَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي) أَيْ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ حَتَّى تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّيَمُّمِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُؤَكِّدٍ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمَا فِي بَابِ الْإِمَامَةِ إنَّهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ حَتَّى جَوَّزَ اقْتِدَاءَ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا بِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ إلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَهِيَ مُطْلَقَةٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ضَرُورِيَّةً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْكُلِّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَيْضًا إنَّهَا مُطْلَقَةٌ لَمَّا عُلِمَتْ، وَلَا تَنَافِيَ هُنَا أَيْضًا بَيْنَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُنَا إنَّهَا مُطْلَقَةٌ حَتَّى اكْتَفَى بِمُجَرَّدِ التَّيَمُّمِ لِانْقِطَاعِهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ إنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ حَتَّى مَنَعَ اقْتِدَاءَ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ لَمَّا عَلِمْت أَنَّ الْإِطْلَاقَ مِنْ جِهَةٍ، وَالضَّرُورَةَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَكِنَّ مُحَمَّدًا عَمِلَ بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا، وَقَدْ رَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُمَا فِي الْإِمَامَةِ وَقَوْلَهُ فِي الرَّجْعَةِ.
وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِيهِ قَيْدُ تَوَقُّفِ الِانْقِطَاعِ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ حِلَّ قُرْبَانِ الزَّوْجِ لَهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهَا بَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ حِلَّهَا لِلْأَزْوَاجِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صَلَاتِهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ حَتَّى تُصَلِّيَ إلَى أَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْمَاءِ فِي أَثْنَائِهَا فَتَبْطُلُ، وَقَيَّدَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَوْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ أَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ لَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا اتِّبَاعُ الصَّلَاةِ فَلَا يُعْطَى لَهَا حُكْمُهَا، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ تَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اغْتَسَلَتْ، وَنَسِيَتْ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ تَنْقَطِعُ، وَلَوْ عُضْوًا لَا) لِأَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ قَيَّدَ بِالِانْقِطَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ مَا لَمْ تَغْسِلْ تِلْكَ اللُّمْعَةِ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاغْتِسَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْعُضْوِ نَحْوُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ، وَبِمَا دُونَهُمَا نَحْوُ الْإِصْبَعِ، وَالْإِصْبَعَيْنِ، وَبَعْضِ الْعُضْوِ، وَالسَّاعِدِ، وَأَحَدِ الْمَنْخِرَيْنِ، وَتَرْكُ الْمَضْمَضَةِ أَوْ الِاسْتِنْشَاقِ كَتَرْكِ عُضْوٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَتَرْكِ مَا دُونَ الْعُضْوِ، وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ لِأَنَّهَا لَوْ تَعَمَّدَتْ إخْلَاءَ مَا دُونَ الْعُضْوِ لَا تَنْقَطِعُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ طَلَّقَ ذَا حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ، وَقَالَ لَمْ أَطَأْهَا رَاجَعَ) يَعْنِي لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَامِلٌ أَوْ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ فِي عِصْمَتِهِ، وَقَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدُّخُولِ، وَقَدْ ثَبَتَ حُكْمًا لِثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِظُهُورِ الْحَمْلِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ لَمْ أَطَأْهَا لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا، وَمَنْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بَطَلَ زَعْمُهُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِإِقْرَارِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يُرَدُّ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ لِآخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ اسْتَحَقَّ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا لِكَوْنِهِ تَعَلَّقَ بِإِقْرَارِهِ حَقُّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ فُرُوعِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِ الْعَقَارِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ، وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْته بِأَلْفَيْنِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِأَلْفَيْنِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْمُشْتَرِيَ فِي إقْرَارِهِ، وَمِنْ فُرُوعِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ لِكَوْنِهِ صَارَ مُكَذَّبًا فِي إقْرَارِهِ حِينَ قَضَى الْقَاضِي بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَالْفَرْعَانِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَمِنْهُ مَا فِي التَّلْخِيصِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ كَفَالَةً مُعَيَّنَةً فَأَنْكَرَهَا فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي، وَقُضِيَ عَلَى الْكَفِيلِ فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمَدْيُونِ إذَا كَانَتْ بِأَمْرِهِ عِنْدَنَا لِكَوْنِهِ صَارَ مُكَذَّبًا فِي إنْكَارِهَا حِينَ قَضَى الْقَاضِي بِهَا عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ فِي الْخُلَاصَةِ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُكَذَّبًا كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا، وَأَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ
ــ
[منحة الخالق]
قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ اهـ.
كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ حِلَّ قُرْبَانِ الزَّوْجِ لَهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهَا إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ تَصْحِيحُهُ فِي الطَّهَارَةِ، وَعِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ هُنَاكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُوجِبُ حِلَّ وَطْئِهَا، وَانْقِطَاعَ الرَّجْعَةِ، وَحِلَّهَا لِلْأَزْوَاجِ إلَّا بِالصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنُقِلَ تَصْحِيحُهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَأَنَّهُ عِنْدَ الْكُلِّ ثُمَّ قَالَ لَكِنْ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ تُصَلِّ، وَلَا تَتَزَوَّجُ زَوْجًا آخَرَ مَا لَمْ تُصَلِّ، وَفِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ الْخِلَافُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute