وَكَذَّبَهُ الْبَائِعُ فَقَضَى الْقَاضِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُ الْمُشْتَرِي بِالْعِتْقِ حَتَّى يَعْتِقَ عَلَيْهِ.
وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ، وَجَحَدَ الدَّائِنُ، وَحَلَفَ، وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالدَّيْنِ عَلَى الْغَرِيمِ لَا يَصِيرُ الْغَرِيمُ مُكَذَّبًا حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ بَيِّنَةُ الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ اهـ.
فَكَانَ دَلَالَةً عَلَى الْوَطْءِ، وَدَلَالَةُ الشَّرْعِ أَقْوَى مِنْ صَرِيحِ الْعَبْدِ لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ مِنْ الْعَبْدِ دُونَ الشَّارِعِ فَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْحَمْلَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوَضْعِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِهِ قَبْلَهُ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ حَمْلَ الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ يَثْبُتُ بِظُهُورِهِ قَبْلَ الْوَضْعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهَا بِعَيْبِ الْحَبَلِ قَبْلَ الْوَضْعِ، وَفِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْحَبَلِ الظَّاهِرِ فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمَشَايِخِ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَهُ الرَّجْعَةُ تَسَاهُلٌ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَمْلِ وَقْتَ الطَّلَاقِ إنَّمَا يُعْرَفُ إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَإِذَا وَلَدَتْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَلَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَاجَعَ قَبْلَ وَضْعِ الْحَمْلِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ السَّابِقَةِ، وَلَا يُرَادُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الرَّجْعَةُ قَبْلَ، وَضْعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْكَرَ الْوَطْءَ، وَالشَّرْعُ لَا يَحْكُمُ بِوُجُودِ الْحَمْلِ وَقْتَ الطَّلَاقِ بَلْ إنَّمَا يَحْكُمُ بِهِ إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَلَمْ يُوجَدْ تَكْذِيبُ الشَّرْعِ قَبْلَ، وَضْعِ الْحَمْلِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَمَنْ طَلَّقَ حَامِلًا مُنْكِرًا، وَطْأَهَا فَرَاجَعَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَحَّتْ الرَّجْعَةُ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوِلَادَةِ فَصُورَتُهَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الَّتِي وَلَدَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ مُنْكِرًا وَطْأَهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ. اهـ.
وَقَدْ يَكُونُ الْوِلَادَةُ قَبْلَ الطَّلَاقِ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ فَتَسْتَحِيلُ الرَّجْعَةُ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ خَلَا بِهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ أُجَامِعْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَأَكَّدُ بِالْوَطْءِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِعَدَمِهِ فَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالرَّجْعَةُ حَقُّهُ، وَلَمْ يَصِرْ مُكَذَّبًا شَرْعًا لِأَنَّ تَأْكِيدَ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى يُبْتَنَى عَلَى تَسْلِيمِ الْمُبْدَلِ لَا عَلَى الْقَبْضِ، وَالْعِدَّةُ تَجِبُ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ فَلَمْ يَكُنْ الْقَضَاءُ بِهَا قَضَاءً بِالدُّخُولِ قَيَّدَ بِإِنْكَارِهِ الْجِمَاعَ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ جَامَعْتهَا، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ فَإِنَّ الْخَلْوَةَ دَلَالَةُ الدُّخُولِ فَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ حُجَّةٌ لِدَفْعِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالزَّوْجُ إنَّمَا يُرِيدُ اسْتِحْقَاقَ الرَّجْعَةِ بِقَوْلِهِ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الزَّوْجُ إنَّمَا يُسْتَبْقَى مِلْكُهُ بِمَا يَقُولُ، وَيَدْفَعُ اسْتِحْقَاقَهَا نَفْسَهَا، وَالظَّاهِرُ يَكْفِي لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَاجَعَهَا ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَهَا لِأَقَلَّ مِنْ عَامَيْنِ صَحَّتْ تِلْكَ الرَّجْعَةُ) يَعْنِي رَاجَعَهَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ ظُهُورُ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَمَّا وَجَبَتْ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَظَهَرَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى الطَّلَاقِ فَنَزَلَ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ دُونَ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ عَلَى الِاعْتِبَارِ الثَّانِي يَزُولُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ قَبْلَهُ فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ، وَالْمُسْلِمُ لَا يَفْعَلُ الْحَرَامَ، وَهُوَ إنْ كَانَ لَا يَكْذِبُ لَكِنْ لَمَّا لَزِمَ أَحَدُ الِاعْتِبَارَيْنِ مِنْ الزِّنَا أَوْ كَذِبِهِ فَجَعْلُهُ كَاذِبًا أَخَفُّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الزِّنَا.
(قَوْلُهُ إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ فِي بَطْنٍ آخَرَ فَهِيَ رَجْعَةٌ) يَعْنِي ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إذَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ، وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَيَكُونُ الْوَلَدُ الثَّانِي مِنْ عُلُوقٍ حَادِثٍ مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَكُونُ رَجْعَةً لِأَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إلَخْ) رَدَّهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا نَقَلَ كَلَامَ الصَّدْرِ وَهَذَا تَحْقِيقٌ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ، وَقَوْلُ مَنْ رَدَّهُ بِأَنَّ الْحَمْلَ يَثْبُتُ قَبْلَ الْوَضْعِ، وَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِهِ قَبْلَهُ مَرْدُودٌ أَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي بَابِ الْعَيْبِ فَرِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُرَدُّ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ بِالْعَيْبِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا لِلْخُصُومَةِ لَا لِلرَّدِّ.
وَأَمَّا فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْحَمْلُ الظَّاهِرُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالْفِرَاشِ، وَالْوِلَادَةُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ، وَالْخِلَافُ هُنَا مَعْرُوفٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إذَا جَحَدَ الزَّوْجُ وِلَادَةَ الْمُعْتَدَّةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ ظَاهِرًا فَيَثْبُتُ مَعَهُ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ الْقَابِلَةُ فَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّ الْحَبَلَ يَثْبُتُ، وَإِنَّمَا ظُهُورُهُ يُؤَيِّدُ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا ثُبُوتُهُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ حَبَلْت فَطَالِقٌ فَقَالَ لَوْ وَطِئَهَا مَرَّةً فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا ثُمَّ قَالَ إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِالْوَلَدِ فَلَمْ يُثْبِتْهُ إلَّا بِالْوِلَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ، وَظُهُورُهُ لَا يُسَمَّى ثُبُوتًا، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute