مَنْ قَالَ بِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ أَصْلًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَرِهَتْهُ، وَخَافَ أَنْ لَا يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا، وَأَنْ لَا تُوَفِّيَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بَلْ هُوَ فَسْخٌ بِشَرْطِ عَدَمِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ فَلَا يَنْقُصُ الْعَدَدُ، وَقَالَ قَوْمٌ وَقَعَ بِهِ رَجْعِيٌّ فَإِنْ رَاجَعَهَا رَدَّ الْبَدَلَ الَّذِي أَخَذَهُ، وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْضًا، وَمَا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الْمُبَارَاةِ، وَمَا إذَا لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ بِهِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ ذِكْرِ الْعِوَضِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أَعْنِ الطَّلَاقَ مَعَ ذِكْرِهِ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا فِي سِرِّهِ لَكِنْ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةُ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ لِأَنَّهَا كَالْقَاضِي لَا تَعْرِفُ مِنْهُ إلَّا الظَّاهِرَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَحَالُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ كَالنِّيَّةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ الشَّرْطَ فِي الْخُلْعِ، وَكَذَّبَتْهُ فِيهِ فَالْقَوْلُ لَهُ إلَى أَنْ قَالَ، وَالْفَتْوَى عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى الْمُغَيَّرِ وَالْمُبْطَلِ إلَّا إذَا ظَهَرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْتِزَامِ الْبَدَلِ أَوْ قَبْضِهِ أَوْ نَحْوِهِ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَقَالَ قَبَضْت مَا قَبَضْت مِنْك بِحَقٍّ لِي عَلَيْك، وَقَالَتْ بَلْ لِبَدَلِ الْخُلْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ وُجُوبَ الْبَدَلِ عَلَيْهَا، وَأَقَرَّ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا مَالًا وَاحِدًا لَا مَالَيْنِ، وَالْمَرْأَةُ مُقِرَّةٌ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا مَالًا آخَرَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِثْنَاءَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهَا بَدَلَ الْخُلْعِ، وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لَهَا اهـ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْعِوَضَ فَهُوَ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ الْمُبَارَاةِ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ كَبِعْت نَفْسَك أَوْ طَلَاقَك فَلَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَدْ أَفَادَ بِوُقُوعِ الْبَائِنِ حُكْمَهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ صِفَتِهِ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ، وَلَا يَبْطُلُ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَصَحَّ مُضَافًا مِنْهُ، وَانْعَكَسَتْ الْأَحْكَامُ فِي حَقِّهَا لَوْ بَدَأَتْ كَمَا سَيَأْتِي، وَلَمْ يَذْكُرْ شَرْطَهُ لِأَنَّ شَرْطَهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ مِنْهَا حَيْثُ كَانَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ بِلَفْظِ خَالَعْتكِ أَوْ اخْتَلِعِي، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَلِعِي فَقَالَتْ اخْتَلَعْتُ تَطْلُقُ، وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ لِأَنَّ قَوْلَ اخْتَلِعِي أَمْرٌ بِالطَّلَاقِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، وَالْمَرْأَةُ تَمْلِكُ الطَّلَاقَ بِأَمْرِ الزَّوْجِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقًا بَائِنًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ اشْتَرِي نَفْسَكِ مِنِّي فَقَالَتْ اشْتَرَيْت لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ بِعْت لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْخُلْعِ الَّذِي هُوَ مُعَاوَضَةٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَصِحُّ الْأَمْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ مَذْكُورًا مَعْلُومًا، وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ مَالًا جَهُولًا بِأَنْ قَالَ اخْلَعِي نَفْسَك بِمَالٍ فَقَالَتْ اخْتَلَعْت نَفْسِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَا يَتِمُّ الْخُلْعُ، وَلَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقُولَ الزَّوْجُ خَلَعْت لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ تَفْوِيضُ الْخُلْعِ إلَيْهَا لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْمَالَ كَانَ خُلْعًا حَقِيقَةً.
وَالْخُلْعُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ، وَالْبَدَلُ هَاهُنَا مَجْهُولٌ فَلَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ ذَكَرَ مَالًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ اخْلَعِي نَفْسَك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ اخْتَلَعْت بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يَقُلْ الزَّوْجُ خَلَعْت أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ خَالَعَنِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الزَّوْجُ خَالَعْت، وَلَمْ تَقُلْ
ــ
[منحة الخالق]
فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ مَذْهَبِهِ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيهِ وَيُنْقَضُ كَمَا بَسَطَ فِي قَضَاءِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَكَانَ مَا فِي الْبَحْرِ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ.
وَالظَّاهِرُ النَّفَاذُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى كَوْنَهُ فَسْخًا كَالْحَنْبَلِيِّ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِكَوْنِهِ فِي فَصْلٍ مُجْتَهِدٍ فِيهِ لَيْسَ مِمَّا خَالَفَ كِتَابًا، وَلَا سُنَّةً مَشْهُورَةً، وَلَا إجْمَاعًا، وَإِذَا رُفِعَ لِحَنَفِيٍّ أَمْضَاهُ أَمَّا لَوْ كَانَ وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُهُ لِعَدَمِ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِيهَا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ إلَخْ) هَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا إذَا ظَهَرَ مَا ذَكَرْنَا إلَخْ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَقْبُولَةٌ إلَّا إذَا ذَكَرَ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ الْبَدَلَ فَإِنَّ التَّصْرِيحَ بِذِكْرِ الْبَدَلِ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْخُلْعِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى إبْطَالِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ مَا قَبَضَهُ لَيْسَ بَدَلَ الْخُلْعِ بَلْ هُوَ حَقٌّ آخَرُ كَدَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ فَتُقْبَلُ حِينَئِذٍ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا قَبَضَهُ لَمْ يَبْقَ الْخُلْعُ بِبَدَلٍ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْقَرِينَةَ عَلَى قَصْدِ الْخُلْعِ هِيَ ذِكْرُ الْبَدَلِ فِي عَقْدِ الْخُلْعِ لَا قَبْضُهُ بَعْدَهُ فَإِذَا ذَكَرَ الْبَدَلَ ثُمَّ قَبَضَ مِنْهَا مَالًا ثُمَّ ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَادَّعَى أَنَّ مَا قَبَضَهُ حَقٌّ آخَرُ غَيْرُ الْبَدَلِ لَمْ تَنْتَفِ قَرِينَةُ قَصْدِ الْخُلْعِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ الِاسْتِثْنَاءَ، وَيَبْقَى عَقْدُ الْخُلْعِ بِبَدَلٍ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ أَنَّ مَا قَبَضَهُ حَقٌّ آخَرُ لِأَنَّهُ حَيْثُ بَقِيَ الْبَدَلُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي أَنَّ مَا دَفَعَتْهُ بَدَلُ الْخُلْعِ لَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَدَمِهَا حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مَذْكُورٌ بِعَيْنِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْفُصُولَيْنِ بِالنَّظَرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ الِاسْتِثْنَاءَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَقِبَ قَوْلِهِ وَالْقَوْلُ لَهَا مَا نَصُّهُ دَفَعَتْ بَدَلَ الْخُلْعِ، وَزَعَمَ الزَّوْجُ أَنَّهُ قَبَضَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى أَفْتَى الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ، وَقِيلَ لَهَا لِأَنَّهَا الْمُمَلَّكَةُ.
(قَوْلُهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ أَوْ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ إلَخْ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَسْقُطُ الْخُلْعُ، وَالْمُبَارَاةُ إلَخْ أَنَّ الْمَشَايِخَ لَمْ يَشْتَرِطُوا النِّيَّةَ فِي الْخُلْعِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَلِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute