للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّفَاسُ الْحَيْضَ فَإِنَّ النِّفَاسَ قَاطِعٌ لِلتَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كُلِّ كَفَّارَةٍ لَهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ غَيْرُ قَاطِعٍ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَالْقَتْلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ صَامَتْ شَهْرًا ثُمَّ حَاضَتْ ثُمَّ أَيِسَتْ اسْتَقْبَلَتْ؛ لِأَنَّهَا قَدَرَتْ عَلَى مُرَاعَاةِ التَّتَابُعِ فَلَزِمَهَا التَّتَابُعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا حَبِلَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي بَنَتْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ حَيْضُهَا غَيْرُ قَاطِعٍ فِي كَفَّارَةِ الشَّهْرَيْنِ إلَّا إذَا أَيِسَتْ بَعْدَهُ فَحِينَئِذٍ يَقْطَعُ وَأَمَّا صَوْمُ الْمُضَلَّلَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَقَدْ اسْتَوْفَاهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْحَيْضِ وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ شُرِطَ فِيهِ التَّتَابُعُ نَصًّا فَحُكْمُهُ كَالْكَفَّارَةِ فَإِذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا بَطَلَ مَا قَبْلَهُ وَلَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالْمَنْذُورِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ التَّتَابُعُ مُعَيَّنًا أَوْ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ الْخَالِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فَإِنَّ التَّتَابُعَ فِيهِ وَإِنْ لَزِمَ لَكِنْ لَا يُسْتَقْبَلُ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا كَرَجَبٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى رَمَضَانَ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْأَيْمَانِ.

وَأَرَادَ بِعَدَمِ الْوُجُودِ عَدَمًا مُسْتَمِرًّا إلَى فَرَاغِ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ وَكَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا وَالْأَفْضَلُ إتْمَامُهُ وَإِنْ أَفْطَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقُيِّدَ الصَّوْمُ بِعَدَمِ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ الْقَادِرِ عَلَى التَّحْرِيرِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] ؛ إذْ الْمَعْنَى فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لَا عَمَلًا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ مُعْتَبَرَانِ وَقْتَ التَّكْفِيرِ أَيْ الْأَدَاءِ لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ كَمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَلَا أَغْلَظُ الْحَالَيْنِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِلْأَدَاءِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَامَ بِالْأَهِلَّةِ فَاتَّفَقَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا جَازَ، وَلَوْ صَامَ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا يَصُومُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ بِالْأَهِلَّةِ فَإِنْ غَمَّ الْهِلَالُ اُعْتُبِرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَاتَّفَقَ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ جَازَ لِجَوَازِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَدْ أَفَادَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَ فِيهِمَا لَيْلًا أَوْ يَوْمًا نَاسِيًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ) أَيْ: وَطْءُ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الشَّرْطُ عَدَمُ فَسَادِ الصَّوْمِ فَلَوْ جَامَعَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا لَا يَسْتَأْنِفُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا مَسِيسَ فِيهِمَا فَإِذَا جَامَعَهَا فِي خِلَالِهِمَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَإِذَا أَفْطَرَ فِي خِلَالِهِمَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ أَطْلَقَ فِي اللَّيْلِ فَشَمِلَ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ اتِّفَاقِيٌّ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ فَاحْتُرِزَ مِنْهُ فَإِنَّهُ غَلَطٌ وَقَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ فِي الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا نَهَارًا عَمْدًا اسْتَأْنَفَ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الْمَسِيسِ عِنْدَهُمَا وَلِفَسَادِ الصَّوْمِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْفُ عَنْ النِّسْيَانِ فِي وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا كَمَا عُفِيَ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَدِيثِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ.

وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ جَامَعَهَا فِيهِمَا مُطْلَقًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ لَكَانَ أَوْلَى وَمِنْ التَّطْوِيلِ أَعْرَى قَيَّدْنَا بِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا فِيهِمَا فَإِنْ بَطَلَ صَوْمُهُ كَأَنْ كَانَ نَهَارًا عَامِدًا دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ أَفْطَرَ فَيَسْتَأْنِفُ وَإِلَّا لَا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَقُيِّدَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ وَطْئًا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْإِفْطَارِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ) أَيْ: إلَّا صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ وَالْإِعْتَاقُ وَالْإِطْعَامُ شَرْطُهُمَا الْمِلْكُ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَنْهُ أَوْ أَطْعَمَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ لِلْحَدِيثِ «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا» وَلَا يَمْلِكُهُ مَوْلَاهُ وَلَا يَثْبُتُ عِتْقُهُ فِي ضِمْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إنْ لَوْ كَانَ تَبَعًا، وَالْإِعْتَاقُ أَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً كَذَا فِي الْكَافِي وَإِذَا تَعَيَّنَ الصَّوْمُ لِلْكَفَّارَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَرْأَةِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْنَعَهُ بِخِلَافِ صَوْمِ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ صَوْمِهَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ) وَعَزَاهُ فِي الشرنبلالية أَيْضًا إلَى التُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ) هُوَ شَرْحُ ابْنِ مَلَكٍ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ إنْ وَطِئَهَا أَيْ: الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا عَمْدًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالنَّظْمِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْقُدُورِيِّ وَالْمُضْمَرَاتِ وَالزَّاهِدِيِّ وَالنُّتَفِ وَغَيْرِهَا وَبِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي اللَّيْلِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَا يَلِيقُ أَنْ يُحْمَلَ الْعَمْدُ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَمِنْ تَأْيِيدِهِ عَدَمُ الْتِفَاتِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ لِذَلِكَ اهـ.

قُلْتُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ صَرِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ وَقَدْ قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ الظَّاهِرُ مَا فِي الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ جَامَعَهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>