للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَوْ دُفِعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمَدْفُوعُ الْكَمِّيَّةَ الْمُقَدَّرَةَ شَرْعًا فَلَوْ دَفَعَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ يَبْلُغُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ لَا يَجُوزُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِلَّذِينَ أَعْطَاهُمْ الْقَدْرَ الْمُقَدَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ اسْتَأْنَفَ فِي غَيْرِهِمْ وَلَا يُقَالُ.

لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ تَجُوزُ الْكِسْوَةُ عَنْ الْإِطْعَامِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ وَكَسَا خَمْسَةً فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَخْرَجَهُ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ أَرْخَصَ مِنْ الْكِسْوَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ أَرْخَصَ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ تَمْلِيكٌ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْإِطْعَامِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْكِسْوَةِ مِثْلَ قِيمَةِ الطَّعَامِ فَقَدْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَإِنْ كَانَتْ أَغْلَى فَقَدْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَزِيَادَةً وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْكِسْوَةِ أَرْخَصَ لَا يَكُونُ الطَّعَامُ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْإِبَاحَةِ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقُومُ مَقَامَ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَلَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً جَازَ وَجَعَلَ أَغْلَاهُمَا ثَمَنًا بَدَلًا عَنْ أَرْخَصِهِمَا ثَمَنًا أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَا يُجْزِيهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَنُقِلَ أَنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ فَمَا نَقَلَهُ هُنَا مِنْ الْجَوَازِ إمَّا غَفْلَةً عَمَّا قَدَّمَهُ وَإِمَّا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ فَقِيرٍ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ حَتَّى فِدْيَةَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ أَعْطَى عَنْ صَلَاةٍ أَقَلَّ مِنْ الْمِسْكِينِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْعِنَايَةِ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَعْطَى سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ مُدًّا آخَرَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْأَوَّلَيْنِ فَأَعْطَى سِتِّينَ آخَرِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا لَمْ يَجُزْ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَعْطَى عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مُدًّا ثُمَّ اسْتَغْنَى الْمَسَاكِينُ ثُمَّ افْتَقَرُوا فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ مُدًّا مُدًّا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى إلَى الْمُكَاتَبِينَ مُدًّا مُدًّا ثَمَّ رُدُّوا إلَى الرِّقِّ وَمَوَالِيهِمْ أَغْنِيَاءُ ثُمَّ كُوتِبُوا ثَانِيًا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِحَالٍ لَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ إلَيْهِمْ فَصَارُوا كَجِنْسٍ آخَرَ اهـ. .

(قَوْلُهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّمْلِيكَ مَعْنًى وَالْفَقِيرُ قَابِضٌ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ تَمَلُّكُهُ ثُمَّ تَمْلِيكُهُ كَهِبَةِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ وَلَمَّا كَانَ طَلَبُ التَّمْلِيكِ مُتَنَوِّعًا إلَى هِبَةٍ وَقَرْضٍ وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْآمِرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنْ قَالَ الْآمِرُ عَلَى أَنْ لَا رُجُوعَ لِلْمَأْمُورِ فَلَا رُجُوعَ وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَكَتَ الْآمِرُ فَفِي الدَّيْنِ يَرْجِعُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ

ــ

[منحة الخالق]

نَظَرَ فِي النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ بِأَنَّ الْقِيمَةَ أَعَمُّ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ.

قُلْتُ وَكَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ إذْ لَا مَدْخَلَ هُنَا لِقِيمَةِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْصُوصِ بَيَانِيَّةٌ وَحَاصِلُ التَّنْظِيرِ أَنَّ قَوْلَ أَوْ قِيمَتُهُ أَيْ: قِيمَةُ الْمَنْصُوصِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الْمَنْصُوصِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَعَطْفُهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ كَالْفِطْرَةِ أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنْ الْمَنْصُوصِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ الشَّرْعِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَأَفَادَ أَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَخْ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ قِيمَتُهُ يَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهَا مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ يَكُونُ قَدْ دَفَعَ الْمَنْصُوصَ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا فَإِذَا دَفَعَ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا وَالْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً جَازَ) أَيْ: أَطْعَمَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْيِيدِهِ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاحِدَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ، وَفِي الْفِطْرَةِ خِلَافٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْجَوَازَ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ هَذَا الْفَرْقَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ مَمْنُوعٌ اهـ.

وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ دَفْعِ فَرْدٍ لِجَمْعٍ وَجَمْعٍ لِفَرْدٍ وَنَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا اهـ.

قُلْت وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ يَقُولُ إنَّهُ ضَعِيف وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ نَقَلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>