للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّيْنِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالتَّكْفِيرِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ عَلَى الْآمِرِ وَقَدْ رَأَيْت الْفَرْقَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِمَامِ الْكَرْخِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ بِلَا شَرْطٍ رَجَعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أُسْقِطَ عَنْ ذِمَّةِ الْآمِر، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا، وَلَوْ ثَبَتَ الرُّجُوعُ بِمُطْلَقِ الْآمِرِ لَرَجَعَ بِحَقٍّ مَضْمُونٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَسْقَطَ عَنْ ذِمَّتِهِ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ ذَكَرَ ضَابِطًا حَسَنًا لِمَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ وَمَا يَرْجِعُ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ قَيَّدَ بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ فَأَعْتَقَ لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ بَدَلٍ هِبَةٌ وَلَا جَوَازَ لَهَا بِدُونِ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فِي الْإِعْتَاقِ وَوُجِدَ فِي الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَالْإِطْعَامِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ سَمَّاهُ أَجْزَأَهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا لِوُقُوعِهِ عَنْ الْمُعْتِقِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَخَرَجَ الصَّوْمُ أَيْضًا فَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ فَصَامَ لَا يُجْزِئُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ الْإِطْعَامَ بِالْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ بِلَا أَمْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا تَكْفِيرُ الْوَارِثِ عَنْ الْمَيِّتِ فَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ يَجُوزُ الْإِطْعَامُ أَوْ الْكِسْوَةُ، وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالْإِطْعَامِ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ عَنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِالْإِعْتَاقِ غَيْرُ جَائِزٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ وَتَصِحُّ الْإِبَاحَةُ فِي الْكَفَّارَاتِ) أَيْ: فِي إطْعَامِ الْكَفَّارَاتِ (وَالْفِدْيَةُ دُونَ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشْرِ) لِوُرُودِ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الطَّعْمِ وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَمْكِينٌ أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الزَّكَاةِ الْإِيتَاءُ، وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْأَدَاءُ وَهُمَا لِلتَّمْلِيكِ حَقِيقَةً، فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ لِبَعْضِ الْمَسَاكِينِ دُونَ الْبَعْضِ أَوْ أَنْ يُعْطِيَ نَوْعًا لِلْبَعْضِ وَنَوْعًا لِلْبَعْضِ قُلْت: أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا غَدَّاهُ وَأَعْطَاهُ مُدًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَاقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ جَائِزَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ أَوْ عَشَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْغَدَاءِ يَجُوزُ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: كَمَا إذَا مَلَكَ ثَلَاثِينَ وَأَطْعَمَ ثَلَاثِينَ غَدَاءً وَعَشَاءً فَهُوَ جَائِزٌ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَقَالَ فِي الْكَافِي وَيَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.

فَإِنْ قُلْت: هَلْ الْمُبَاحُ لَهُ الطَّعَامُ يَسْتَهْلِكُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ أَوْ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ؟ قُلْت: إذَا صَارَ مَأْكُولًا زَالَ مِلْكُ الْمُبِيحِ عَنْهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ قَيَّدْنَا بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي الْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا تَجُوزُ كَمَا لَوْ أَعَارَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ ثَوْبًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَجَعْلُ الْفِدْيَةِ كَالْكَفَّارَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْهُ كَفِدْيَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَمْلِيكِ الْأَرْشِ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ غَدَاءَانِ وَعَشَاءَانِ مُشْبِعَانِ أَوْ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ) أَيْ: الشَّرْطُ فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَالسَّحُورُ كَالْغَدَاءِ.

فَلَوْ غَدَّاهُمْ يَوْمَيْنِ أَوْ عَشَّاهُمْ كَذَلِكَ أَوْ غَدَّاهُمْ وَسَحَّرَهُمْ أَوْ سَحَّرَهُمْ يَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مِنْهُمْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، وَلَوْ غَدَّى وَاحِدًا وَعَشَّى آخَرَ لَمْ يَجُزْ وَقُيِّدَ بِالشِّبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ شَبْعَانُ قَبْلَ الْأَكْلِ أَوْ صَبِيٌّ لَيْسَ بِمُرَاهِقٍ لَا يُجْزِئُهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَمَالَ الْحَلْوَانِيُّ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأَكْلُ مَعْرُوفٌ وَالْأُكُلُ بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي لِلتَّخْفِيفِ الْمَأْكُولُ وَالْأَكْلَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ وَالْغَدَاءُ بِالْمَدِّ طَعَامُ الْغَدَاةِ وَالْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ وَبِالْمَدِّ طَعَامُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَقَدْ رَأَيْت الْفَرْقَ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَاهُ إنَّهُ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ شَرَطَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يَرْجِعُ اهـ.

وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ الشَّرْطَ فَقَدْ الْتَزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ فَفَعَلَ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ وَلَوْ قَالَ عِوَضٌ عَنْ هِبَتِي أَوْ أَعْطِهِ عَنْ كَفَّارَتِي أَوْ أَدِّ زَكَاةَ مَالِي أَوْ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفًا لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَلَكَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ مُقَابَلًا بِمِلْكِ الْمَالِ فَمَأْمُورٌ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِمِلْكِ الْمَالِ لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ عَنْ الْأَمْرِ وَلَا فِي ضِمْنِ التَّمْلِيكِ مِنْ الْمَدْفُوعِ حَتَّى تُقْضَى الزَّكَاةُ وَالتَّعْوِيضُ وَالْكَفَّارَةُ فَإِذَا مَلَكَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مُقَابَلًا بِالْمِلْكِ كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا لِلْآمِرِ أَيْضًا مُقَابِلًا لِلْمِلْكِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْمِلْكَ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ الْمِلْكُ أَمَّا إذَا مَلَكَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَدْفُوعَ لَا مُقَابَلًا بِالْمِلْكِ فَالْآمِرُ يَمْلِكُهُ أَيْضًا لَا مُقَابَلًا بِالْمِلْكِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الضَّمَانِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثَةُ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِنْ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَمُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأَكْلُ مَعْرُوفٌ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>