يَقْذِفُ الْمُبَانَةَ، وَلَوْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ قَذْفِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا، وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِزِنًا كَانَ قَبْلَ الزَّوْجِيَّةِ وَجَبَ اللِّعَانُ وَلَا لِعَانَ بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ الْمَيِّتَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُلَاعِنُ عَلَى قَبْرِهَا، وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَقْذُوفِ بِهِ فَهُوَ الزِّنَا، وَأَمَّا الْمَقْذُوفُ فِيهِ فَدَارُ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا نَفْسُ الْقَذْفِ فَالرَّمْيُ بِصَرِيحِ الزِّنَا وَسَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا وَصَلُحَا شَاهِدَيْنِ وَهِيَ مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَوْ نَفَى نَسَبَ الْوَلَدِ وَطَالَبَتْهُ بِمُوجِبِ الْقَذْفِ وَجَبَ اللِّعَانُ) أَيْ: بِصَرِيحِ الزِّنَا الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَوْ قَذَفَهَا بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا لِعَانَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ اللِّعَانُ بِنَاءً عَلَى الْحَدِّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَةَ رَجُلٍ فَقَالَ الزَّوْجُ صَدَقْتَ هِيَ كَمَا قُلْت كَانَ قَاذِفًا حَتَّى يُلَاعِنَ، وَلَوْ قَالَ صَدَقْتَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا اهـ.
وَضَمِيرُ صَلُحَا لِلزَّوْجَيْنِ وَأَطْلَقَهَا فَشَمِلَ غَيْرَ الْمَدْخُولَةِ وَالْمُرَادُ صَلَاحِيَّتُهُمَا لِأَدَائِهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لَا لِلتَّحَمُّلِ فَلَا لِعَانَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ وَإِنْ قُبِلَتْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ فَلَا يُكْتَفَى بِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ أَهْلِيَّةِ الْيَمِينِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا بَيْنَ كَافِرَةٍ وَمُسْلِمٍ وَلَا بَيْنَ مَمْلُوكَيْنِ وَلَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ لِعَانُ الْأَعْمَى وَالْفَاسِقِ فَإِنَّهُ يَجْرِي بَيْنَ الْأَعْمَيَيْنِ وَالْفَاسِقَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ لِلْفِسْقِ فِي الْفَاسِقِ وَلِعَدَمِ التَّمْيِيزِ فِي الْأَعْمَى حَتَّى لَوْ قَضَى قَاضٍ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَالْأَعْمَى صَحَّ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ الزَّوْجِيَّةُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَفْصُلَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يُلَاعِنُ وَقُيِّدَ بِكَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَتْ وُطِئَتْ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ أَوْ زَنَتْ فِي عُمْرِهَا، وَلَوْ مَرَّةً أَوْ وُطِئَتْ وَطْئًا حَرَامًا، وَلَوْ مَرَّةً بِشُبْهَةٍ لَا يَجْرِي اللِّعَانُ.
وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لَوْ قَذَفَهَا فَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ فَادَّعَى الْأَوَّلُ الْوَلَدَ لَزِمَهُ وَحُدَّ لِلْقَذْفِ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَبْلَ إكْذَابِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِكْذَابِ لَاعَنَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمَقْذُوفَةُ دُونَهُ اخْتَصَّتْ بِاشْتِرَاطِ كَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا بَعْدَ اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَلَمَّا كَانَ الزَّوْجُ لَيْسَ مَقْذُوفًا وَإِنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ اُشْتُرِطَ فِي حَقِّهِ كَمَا اُشْتُرِطَ فِي حَقِّهَا أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَلَمْ تُشْتَرَطْ عِفَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِقًا بِالزِّنَا جَرَى اللِّعَانُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَرَيَانِهِ بَيْنَ الْفَاسِقَيْنِ فَهَذَا وَجْهُ تَخْصِيصِهَا بِهَذَا الشَّرْطِ كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِحُ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَأَرَادَ بِكَوْنِهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا أَنْ تَكُونَ عَفِيفَةً عَنْ الزِّنَا فَقَطْ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ وَالْإِسْلَامِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ إلَّا الْعِفَّةُ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ.
وَأَرَادَ بِنَفْيِ نَسَبِ الْوَلَدِ نَفْيَ نَسَبِ وَلَدِهَا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ وَلَدَهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ الزِّنَا أَوْ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي وَمَا إذَا صَرَّحَ مَعَهُ بِالزِّنَا أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ عَلَى مُخْتَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى وَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ قَطْعَ النَّسَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَسْتَلْزِمُ الزِّنَا فَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِهِ بِوَطْءٍ بِشُبْهَةٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا الِاحْتِمَالُ سَاقِطٌ بِالْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ إنْ نَفَاهُ عَنْ الْأَبِ الْمَشْهُورِ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَسْتَ لِأَبِيكَ يَكُونُ قَاذِفًا لِأُمِّهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ حَدُّ الْقَذْفِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ بِنَفْيِ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الرِّضَا وَقَوْلُ مَنْ أَوْجَبَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْغَضَبِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ إلْزَامُ التَّنَاقُضِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالدِّرَايَةِ وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالتَّفْصِيلِ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَجَدْت مَعَهَا رَجُلًا يُجَامِعُهَا فَإِنَّهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ) أَيْ كَوْنُهَا مِمَّنْ يُحَدُّ قَاذِفُهَا وَقَوْلُهُ لَوْ قَذَفَهَا أَيْ بِنَفْيِ الْوَلَدِ كَمَا هُوَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَوْلُهُ فَادَّعَى الْوَلَدَ الْأَوَّلَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأَوَّلُ الْوَلَدُ بِتَقْدِيمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ فَاعِلُ ادَّعَى وَقَوْلُهُ لَزِمَهُ أَيْ: لَزِمَ الْوَلَدُ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الثَّانِي أَيْ: وَقَذَفَهَا بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَقَوْلُهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى الثَّانِي بِذَلِكَ الْقَذْفِ إنْ كَانَ قَبْلَ إكْذَابِ الْأَوَّلِ أَيْ: إكْذَابِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الْوَلَدِ وَإِنَّمَا كَانَ لَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ لَهَا وَلَدًا لَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ فَكَانَ شُبْهَةُ الزِّنَا أَمَّا لَوْ كَانَ بَعْدَ مَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَالشُّبْهَةُ مُنْتَفِيَةٌ فَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ الثَّانِي تَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute