لَيْسَ بِقَذْفٍ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يَسْتَلْزِمُ الزِّنَا وَقُيِّدَ بِطَلَبِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُطَالِبْهُ فَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْهَا فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهَا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَمُرَادُهُ طَلَبُهَا إذَا كَانَ الْقَذْفُ بِصَرِيحِ الزِّنَا إمَّا بِنَفْيِ الْوَلَدِ فَالطَّلَبُ حَقُّهُ أَيْضًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ مَنْ لَيْسَ وَلَدُهُ عَنْهُ وَأَشَارَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِ فِي الطَّلَبِ إلَى أَنَّ سُكُوتَهَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ تَقَادُمَ الزَّمَانِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْحَقِّ فِي الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَزَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ، وَلَوْ سَكَتَتْ وَلَمْ تَرْفَعْ إلَى الْحَاكِمِ كَانَ أَفْضَلَ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لَهَا اُتْرُكِي وَأَعْرِضِي عَنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى السَّتْرِ فَإِنْ تَرَكَتْ مُدَّةً ثُمَّ خَاصَمَتْ فَلَهَا ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُجُوبَ اللِّعَانِ مُقَيَّدٌ بِعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَاهَا وَعَدَمِ إكْذَابِ نَفْسِهِ بَعْدَهُ وَعَدَمِ تَصْدِيقِهَا لَهُ.
فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى زِنَاهَا فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ رُجِمَتْ لَوْ مُحْصَنَةً وَجُلِدَتْ لَوْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ وَإِنْ كَانَا رَجُلَيْنِ فَقَطْ عَلَى إقْرَارِهَا بِالزِّنَا يَنْدَرِئُ اللِّعَانُ وَلَا تُحَدُّ الْمَرْأَةُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ شَهِدُوا عَلَى تَصْدِيقِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا وَلَا لِعَانَ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْقَذْفِ فَإِنْ أَنْكَرَهُ فَأَقَامَتْ رَجُلَيْنِ وَجَبَ اللِّعَانُ لَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ لَا يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ عَلَى زِنَاهَا مَعَ ثَلَاثَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ قَذَفَهَا وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ وَتُحَدُّ الثَّلَاثَةُ حَدَّ الْقَذْفِ وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ، وَلَوْ لَمْ يَقْذِفْهَا وَشَهِدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَا لِعَانَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ أَيْضًا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى أَبِيهِمَا أَنَّهُ قَذَفَ ضَرَّةَ أُمِّهِمَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا يَشْهَدَانِ لِأُمِّهِمَا بِخُلُوصِ الْفِرَاشِ لَهَا؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ سَبَبُ الْفُرْقَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَبُوهُمَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَذْفَ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ دُونَ اللِّعَانِ.
قَالَ وَلَا بُدَّ فِي وُجُوبِ اللِّعَانِ مِنْ أَنْ لَا يَقْذِفَ أُمَّهَا فَلَوْ قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ بِنْتُ الزَّانِيَةِ وَجَبَ الْحَدُّ لِقَذْفِ أُمِّهَا وَاللِّعَانُ لِقَذْفِهَا فَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْمُطَالَبَةِ بَدَأَ بِحَدِّهِ لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ بِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ لَمْ تُطَالِبْ الْأُمُّ وَطَالَبَتْهُ الْمَرْأَةُ وَجَبَ اللِّعَانُ وَيُحَدُّ لِلْأُمِّ بِطَلَبِهَا بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بَعْدَ اللِّعَانِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ إقَامَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهَا مَيِّتَةً فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِمَا فَإِنْ خَاصَمَتْهُ فِيهِمَا بَدَأَ بِالْحَدِّ لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ وَإِنْ بَدَأَتْ بِالْخُصُومَةِ لِنَفْسِهَا وَجَبَ اللِّعَانُ ثُمَّ لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِقَذْفِ أُمِّهَا فَيُحَدُّ لَهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً بِالزِّنَا ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِاللِّعَانِ وَالْحَدِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ قَذْفَانِ، وَفِي تَقْدِيمِ مُوجِبِ أَحَدِهِمَا إسْقَاطُ الْآخَرِ بَدَأَ بِالْمُسْقِطِ كَمَا إذَا قَذَفَهَا وَقَذَفَتْهُ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِحَدِّهَا لِيَسْقُطَ اللِّعَانُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ وَجَبَ الْحَدُّ وَلَا لِعَانَ، وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ اهـ. .
وَلَوْ قَالَ قَذَفْتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ أَوْ قَدْ زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ فَهُوَ قَذْفٌ فِي الْحَالِ فَيُلَاعِنُ وَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مِنْ أَنَّهُ يُلَاعِنُ فِي قَوْلِهِ زَنَيْت وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ قَذَفْتُك قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْجَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيُحَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إيفَائِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ فِي اللِّعَانِ وَهُوَ التَّكَاذُبُ هَكَذَا قَالُوا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَذْفَ هُوَ السَّبَبُ فَإِنَّ التَّكَاذُبَ شَرْطُ قَيْدِ وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْإِكْذَابِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ بِمُجَرَّدِ الِامْتِنَاعِ مِنْ اللِّعَانِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِهِ سَهْوٌ لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا وَحَمْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ بَعِيدٌ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النَّقْلِ وَلِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ ذَكَرَ أَنَّهَا لَوْ امْتَنَعَتْ بَعْدَ لِعَانِهِ تُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَاعَنَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَالطَّلَبُ حَقُّهُ أَيْضًا) أَيْ: حَقُّ الْقَاذِفِ لَا حَقُّ الْوَلَدِ كَمَا فَهِمَهُ شَارِحُ التَّنْوِيرِ.
(قَوْلُهُ لَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ فَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ سَبْقُ قَلَمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute