عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِيهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَنَقَلَهُ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا هَذَا فِي عِدَّةِ امْرَأَةِ الْفَارِّ وَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْحَيْضِ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ أَصْلًا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ عَلِيٍّ تَعْتَدُّ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ وَهُمَا الْأَشْهُرُ وَوَضْعُ الْحَمْلِ وَهَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنَّمَا قَالَا بِذَلِكَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمَا بِالتَّارِيخِ فَكَانَ ذَلِكَ أَحْوَطَ وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا عَلِمُوا التَّارِيخَ قَالُوا بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِتَأَخُّرِ آيَتِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ حُكْمٌ يَعُمُّ الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى عُمُومِهِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: ٢٣٤] ؛ لِأَنَّ عُمُومَ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: ٤] بِالذَّاتِ وَعُمُومَ أَزْوَاجًا بِالْعَرَضِ وَالْحُكْمُ يَتَعَلَّلُ هَاهُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَلِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ «سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَدْ حَلَلْتِ فَتَزَوَّجِي» وَلِأَنَّهُ مُتَأَخِّرُ النُّزُولِ فَتَقْدِيمُهُ تَخْصِيصٌ وَتَقْدِيمُ الْآخَرِ بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِلْوِفَاقِ عَلَيْهِ اهـ.
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «نَسَخَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى كُلَّ عِدَّةٍ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: ٤] أَجَلُ كُلِّ حَامِلٍ مُطَلَّقَةٍ أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا» وَأُخْرِجَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَنُقِلَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعُمَرَ وَابْنِهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي إنَّ عُمُومَ أُولَاتُ بِالذَّاتِ أَنَّ الْمَوْصُولَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَا بِذَلِكَ) أَيْ: عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُمَا.
(قَوْلُهُ فَتَقْدِيمُهُ فِي الْعَمَلِ تَخْصِيصٌ) أَيْ: تَقْدِيمُ قَوْلِهِ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: ٤] عَلَى قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: ٢٣٤] وَتَرْجِيحُ الْعَمَلِ بِهِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِهِ، وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِهَذِهِ فِي حَقِّ مَا تَنَاوَلَاهُ يَكُونُ بِنَاءً لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَلَوْ قَدَّمْنَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْعَمَلِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى عُمُومِهَا فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا أَنَّ تِلْكَ خَاصَّةٌ مِنْ آخَرَ فَالْعَمَلُ بِهَذِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي مِقْدَارِ مَا تَنَاوَلَاهُ أَعْنِي الْحَامِلَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَكُونُ تَخْصِيصًا لَهَا بِمَا وَرَاءَ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْخَاصُّ الْمُتَأَخِّرُ يُخَصِّصُ الْعَامَّ الْمُتَقَدِّمَ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُصَنِّفِ فِي جَوَازِ تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ يَكُونُ نَسْخًا لَا تَخْصِيصًا وَلَا مِنْ حَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ الْغَيْرِ الْمُتَّصِلِ وَتَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُفَصِّلَاتِ الْأُصُولِ فَقَوْلُهُ لِلْوِفَاقِ عَلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ يَنْدَفِعُ بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْعَمَلِ بِالْمُتَأَخِّرِ سَوَاءٌ قُلْنَا هُوَ مُخَصِّصٌ أَوْ نَاسِخٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجَوُّزِ فِي التَّخْصِيصِ كَمَا قِيلَ، وَيُؤَيِّدُهُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} [البقرة: ٢٣٤] إلَخْ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى أَفَنَكْتُبُهَا أَوْ نَدَعُهَا قَالَ يَا ابْنَ أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ عَنْ مَكَانِهِ وَفِيهِ تَسْلِيمُ عُثْمَانَ لِلنَّسْخِ، وَتَقَدُّمِ النَّاسِخِ عَلَى الْمَنْسُوخِ فِي تَرْتِيبِ الْآيِ مِنْ النَّوَادِرِ فَتَدَبَّرْ.
وَقَوْلُهُ بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ يَعْنِي لَوْ قُدِّمَتْ هَذِهِ بِأَنْ عُمِلَ بِهَا كَانَ فِيهَا تَخْصِيصٌ لِقَوْلِهِ {أَزْوَاجًا} [البقرة: ٢٣٤] فِي تِلْكَ بِغَيْرِ الْحَامِلَاتِ وَتَقْدِيمُ تِلْكَ فِي الْعَمَلِ بِهَا يَلْزَمُهُ بِنَاءُ الْعَامِّ وَهُوَ قَوْلُهُ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: ٤] الشَّامِلُ لِلْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا عَلَى الْخَاصِّ وَهُوَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هُنَا أَنْ يُرَادَ بِالْعَامِّ الْخَاصُّ مِنْ غَيْرِ مُخَصِّصٍ لَهُ إذْ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِلْمُتَأَخِّرِ وَالْبِنَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ نَرَهُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ يَحْتَاجُ لِلتَّحْرِيرِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْخَفَاجِيِّ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ.
(قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَكَانَ عُمُومُ الْأَوَّلِ ذَاتِيًّا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَالثَّانِي عَرَضًا لِكَوْنِهِ وَاقِعًا فِي حَيِّزِ صِلَةِ الْعَامِّ وَإِلَّا فَالْجَمْعُ الْمُنْكَرُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي الْمُخْتَارِ وَأَقُولُ: صَدَّرَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَأَزْوَاجُ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِالْإِضَافَةِ عَامٌّ إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّ عُمُومَهُ عَرَضِيٌّ أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ ذَوَاتٌ وَدَعْوَى أَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ مِنْ إضَافَةِ أُولَاتِ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ فَيَسْتَوِي مَعَ آيَةِ الْوَفَاةِ بِالتَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَهَذَا الْإِشْكَالُ لَمْ أَرَ مَنْ عَرَجَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوِيٌّ يَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَالْحَقُّ أَنَّ مَشْيَ كَلَامِ الْقَاضِي هُنَا عَنْ أَنَّ الَّذِينَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ إمَّا يَتَرَبَّصْنَ أَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ: فِيمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ حُكْمُ الَّذِينَ فَتَدَبَّرْهُ وَالْحُكْمُ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِ الْمُعْتَدَّةِ ذَاتَ حَمْلٍ فَبَرَاءَةُ الرَّحِمِ مِنْ حَقِّ الْغَيْرِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُبِيحًا لِلتَّزَوُّجِ بِآخَرَ وَيُتَعَقَّلُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْآيَةِ الْأُخْرَى حَيْثُ لَا يُعْقَلُ تَأْثِيرُ كَوْنِ الْمَرْأَةِ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا فِي تَرَبُّصِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَإِنَّمَا هُوَ تَعَبُّدِيٌّ وَلِلْمُعَلَّلِ قُوَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَلَى الْقَاضِي مَا يُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى أَيْضًا إلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّهُ حِكْمَةٌ لَا عِلَّةٌ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ عُمُومِ أُولَاتِ بِالذَّوَاتِ وَأَزْوَاجِ بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَعُمُومُ أَزْوَاجًا بَدَلِيٌّ سَهْوٌ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ أُولَاتَ لَيْسَ مَوْصُولًا بَلْ اسْمُ جَمْعٍ مُلْحَقٌ بِجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute