للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ لَهَا: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» فَدَلَّ عَلَى حُكْمَيْنِ إبَاحَةِ الْخُرُوجِ بِالنَّهَارِ وَحُرْمَةِ الِانْتِقَالِ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ خُرُوجَهَا وَمَنَعَهَا مِنْ الِانْتِقَالِ وَرَوَى عَلْقَمَةُ أَنَّ نِسْوَةً مِنْ هَمْدَانَ نُعِيَ إلَيْهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَسَأَلْنَ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقُلْنَ إنَّا نَسْتَوْحِشُ فَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَجْتَمِعْنَ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ فَلْتَرْجِعْ كُلُّ امْرَأَةٍ إلَى بَيْتِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ عَزَاءُ الثَّانِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْجَوْهَرَةِ يَعْنِي بِبَعْضِ اللَّيْلِ مِقْدَارَ مَا تَسْتَكْمِلُ بِهِ حَوَائِجَهَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا بَأْسَ بِأَنْ تَتَغَيَّبَ عَنْ بَيْتِهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ اهـ.

وَلَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ لِحَاجَتِهَا إلَى نَفَقَتِهَا وَلَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا اهـ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُحْتَاجَةً إلَى النَّفَقَةِ لَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا كَمَا فَهِمَهُ الْمُحَقِّقُ.

(قَوْلُهُ وَتَعْتَدَّانِ فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ فِيهِ إلَّا أَنْ تُخْرَجَ أَوْ يَنْهَدِمَ) أَيْ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ يَعْتَدَّانِ فِي الْمَنْزِلِ الْمُضَافِ إلَيْهِمَا بِالسُّكْنَى وَقْتَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ وَلَا يُخْرَجَانِ مِنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ الْآيَةِ وَالْبَيْتُ الْمُضَافُ إلَيْهَا فِي الْآيَةِ مَا تَسْكُنُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ سَاكِنًا مَعَهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلِهَذَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا لَوْ زَارَتْ أَهْلَهَا فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا فَتَعْتَدَّ فِيهِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ أَجْرَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ وَفَاةِ الزَّوْجِ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ وَبَعْدَ الطَّلَاقِ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَطُولِبَتْ بِالْكِرَاءِ فَعَلَيْهَا إعْطَاؤُهُ مِنْ مَالِهَا حَيْثُ كَانَتْ قَادِرَةً وَتَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ إنْ دَفَعَتْ بِإِذْنِ الْقَاضِي هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ خواهر زاده وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْهَا قَبْلَ الْعِدَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَأْجِرَةً وَلَا زَوْجُهَا مُسْتَأْجِرًا.

وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمَنْزِلَ إذَا كَانَ بِإِجَارَةٍ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مُشَاهَرَةً فَلَهَا التَّحَوُّلُ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةٌ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَيْسَ لَهَا التَّحَوُّلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاسْتُفِيدَ أَيْضًا أَنْ الْمُطَلِّقَ لَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُسَكِّنَهَا بِجِوَارِهِ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَعْتَدُّ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ تَسْكُنُهُ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَأُطْلِقَ فِي الْإِخْرَاجِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَخْرَجَهَا الْمُطَلِّقُ ظُلْمًا وَتَعَدِّيًا وَمَا إذَا أَخْرَجَهَا صَاحِبُ الدَّارِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكِرَاءِ وَوَجَدَتْ مَنْزِلًا بِغَيْرِ كِرَاءٍ وَمَا إذَا أَخْرَجَهَا الْوَارِثُ وَكَانَ نَصِيبُهَا مِنْ الْبَيْتِ لَا يَكْفِيهَا وَفِي الْمُجْتَبَى كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا اشْتَرَتْ مِنْ الْأَجَانِبِ وَأَوْلَادِهِ الْكِبَارِ، وَكَذَا فِي الطَّلَاق الْبَائِنِ اهـ.

وَظَاهِرُهُ وُجُوبُ الشِّرَاءِ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ قَادِرَةً وَيُقَالُ يَجِبُ الْكِرَاءُ وَالشِّرَاءُ إنْ أَمْكَنَ وَحُكْمُ مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ حُكْمُ الْمَسْكَنِ الْأَصْلِيِّ فَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ وَتَعْيِينُ الْمَنْزِلِ الثَّانِي لِلزَّوْجِ فِي مُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَلَهَا فِي الْوَفَاةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا وَطَلَّقَهَا فَالتَّعْيِينُ لَهَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَيْضًا عُيِّنَ انْتِقَالُهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا انْهَدَمَ فِي الْوَفَاةِ وَإِلَى حَيْثُ شَاءَتْ فِي الطَّلَاقِ وَالْمُرَادُ بِالِانْهِدَامِ خَوْفُهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ فَلَهَا الْخُرُوجُ إذَا خَافَتْ الِانْهِدَامَ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ إذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ مَتَاعِهَا مِنْ اللُّصُوصِ فَلَهَا التَّحَوُّلُ لِلضَّرُورَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ الْأَعْذَارِ فِيمَا ذُكِرَ فَمِنْهَا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ وَهِيَ تَخَافُ بِاللَّيْلِ بِالْقَلْبِ مِنْ أَمْرِ الْمَيِّتِ وَالْمَوْتِ إنْ كَانَ الْخَوْفُ شَدِيدًا كَانَ لَهَا التَّحَوُّلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَدِيدًا فَلَيْسَ لَهَا التَّحَوُّلُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ خَرَجَتْ الْمُعْتَدَّةُ لِإِصْلَاحِ مَا لَا بُدَّ لَهَا كَالزِّرَاعَةِ وَطَلَبِ النَّفَقَةِ وَإِخْرَاجِ الْكَرْمِ وَلَا وَكِيلَ لَهَا فَلَهَا ذَلِكَ اهـ.

وَمِنْهَا طَلَّقَهَا بِالْبَادِيَةِ وَهِيَ مَعَهُ فِي مِحَفَّةٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَالزَّوْجُ يَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ لِلْكَلَأِ وَالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا ضَرَرٌ بَيِّنٌ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِتَرْكِهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَلَيْسَ مِنْهَا سَفَرُهَا لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ فَلَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ خُرُوجَهَا) أَيْ: خُرُوجَهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَأَلَتْهُ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا سُؤَالٌ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَهُوَ خُرُوجٌ لِحَاجَةٍ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْعِنَايَةِ قَالَ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُكْمَيْنِ عَلَى أَنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَعَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ بِبَعْضِ النَّهَارِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا جَائِزٌ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا خُرُوجَهَا لِلِاسْتِفْتَاءِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا الطَّلَاقُ الْبَائِنُ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي فِيمَا إذَا اخْتَلَعَتْ عَلَى السُّكْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>