للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا مَا تَأْخُذُهُ وَفَرْضُ النَّفَقَةِ مِنْ الْقَاضِي تَقْدِيرُهَا فَإِذَا لَمْ تُقَدَّرْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فَلَمْ تَكُنْ قَضَاءً وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِيمَا إذَا غَابَ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ مُودَعِهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّفَقَةِ عِنْدَنَا تَقْدِيرٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّفَقَةِ الْكِفَايَةُ وَذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ طِبَاعُ النَّاسِ وَأَحْوَالُهُمْ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ أَيْضًا فَفِي التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارٍ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا وَاَلَّذِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ إنَّمَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ لِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَاَلَّذِي يَحِقُّ عَلَى الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَصْلُهُ حَدِيثُ هِنْدَ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْكِفَايَةَ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَا يَكْفِيهَا مِنْ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالدُّهْنِ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً إلَّا مَأْدُومًا، وَأَمَّا الدُّهْنُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلنِّسَاءِ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا وَاللَّحْمُ لَيْسَ مِنْ الْإِدَامِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْيَمِينِ، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْرِطَةَ الْيَسَارِ تَأْكُلُ الْحَلْوَاءَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ يَفْرِضُ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ فَعَلَى مَا يَأْتَدِمُونَ بِهِ فِي عَادَاتِهِمْ يَفْرِضُ عَلَى الزَّوْجِ اهـ.

وَفِي الْأَقْضِيَةِ يُفْرَضُ الْإِدَامُ أَيْضًا أَعْلَاهُ اللَّحْمُ وَأَدْنَاهُ الزَّيْتُ وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنُ، وَقِيلَ فِي الْفَقِيرَةِ لَا يُفْرَضُ الْإِدَامُ إلَّا إذَا كَانَ خُبْزَ شَعِيرٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِهِمْ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى وَالنَّفَقَةُ هِيَ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ وَدُهْنُ الرَّأْسِ وَدُهْنُ السِّرَاجِ وَثَمَنُ الْمَاءِ، وَلَوْنٌ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ مِنْ الطَّعَامِ خُبْزُ الشَّعِيرِ إذَا كَانَ ذَلِكَ طَعَامَ فُقَرَائِهِمْ وَعَشَرَةُ أَسَاتِيرَ مِنْ اللَّحْمِ وَخَمْسَةُ أَسَاتِيرَ مِنْ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْفَاكِهَةِ اهـ.

فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ فَرْضَ النَّفَقَةِ أَنْ يَنْظُرَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ وَيَنْظُرَ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَيُقَوِّمُ الْأَصْنَافَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يُقَدِّرُ بِالدِّرْهَمِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ إمَّا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَ وَهُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ حَالِهِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ إنَّهُ الصَّحِيحُ نَظَرًا إلَى قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: ٧] ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ لِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا بِحَدِيثِ هِنْدَ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا، وَأَمَّا النَّصُّ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَمِلَ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ

وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرَيْنِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ وَعَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرَيْنِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الِاعْتِبَارُ لِحَالِ الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا مِمَّا يَأْكُلُ، لَكِنْ قَالَ مَشَايِخُنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَاكِلَهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَهَا وَذَا فِي أَنْ يُؤَاكِلَهَا لِتَكُونَ نَفَقَتُهَا وَنَفَقَتُهُ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ مُعْسِرًا فَقَدْ رَضِيَتْ بِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْوَسَطِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهِيَ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَةِ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُفْرِطًا فِي الْيَسَارِ يَأْكُلُ الْحَلْوَاءَ وَاللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ وَالْبَاجَّاتِ، وَالْمَرْأَةُ فَقِيرَةٌ تَأْكُلُ فِي بَيْتِهَا خُبْزَ الشَّعِيرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا مِمَّا يَأْكُلُ فِي بَيْتِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا كَانَتْ تَأْكُلُ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا، وَلَكِنْ يُطْعِمُهَا الْوَسَطَ وَهُوَ خُبْزُ الْبُرِّ وَبَاجَّةً أَوْ بَاجَّتَيْنِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ وَأَوْجَبْنَا الْوَسَطَ فَقَدْ كَلَّفْنَاهُ بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ

ــ

[منحة الخالق]

إلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ»

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى الْإِعْسَارَ وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>