للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ إلَى الْمَيْسَرَةِ، فَلَيْسَ تَكْلِيفًا بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ شَاءَ فَرَضَ لَهَا أَصْنَافًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَفَرَضَ لَهَا بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَدْفَعُ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ وَالْأَيْسَرُ فَفِي الْمُحْتَرِفِ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ نَفَقَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ نَفَقَةِ شَهْرٍ مَثَلًا دُفْعَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا مُعَجَّلًا وَيُعْطِيَهَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ الْمَسَاءَ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّرْفِ فِي حَاجَتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ شَهْرٍ بِشَهْرٍ أَوْ مِنْ الدَّهَاقِينَ فَنَفَقَةُ سَنَةٍ بِسَنَةٍ أَوْ مِنْ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ لَا يَنْقَضِي عَمَلُهُمْ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأُسْبُوعِ كَذَلِكَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ وَإِلَّا لَوْ قَالَ التَّاجِرُ وَالدِّهْقَانُ أَوْ الصُّنَّاعُ أَنَا أَدْفَعُ نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ مُعَجَّلًا لَا يُجْبَرُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ مَا ذَكَرَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ يَضُرُّهُ لَا يَفْعَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلَّ مُدَّةٍ نَاسَبَتْ حَالَ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ نَفَقَتَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْيَوْمَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ أَنَّهَا تُفْرَضُ عَلَيْهِ وَتُدْفَعُ لَهَا، ثُمَّ قَالَ لَوْ فُرِضَ لَهَا نَفَقَةٌ كُلَّ شَهْرٍ فَطَلَبَتْهَا كُلَّ يَوْمٍ كَانَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ عِنْدَ الْمَسَاءِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُهُمْ الْمُطَالَبَةُ وَلَا كَذَلِكَ مَا دُونَ الْيَوْمِ اهـ.

فَإِنْ قُلْتَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهَا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَمْوِينٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَالْكِسْوَةَ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَهَلْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ التَّقْدِيرِ فِيهِمَا؟ قُلْتُ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنَّ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ بِلَازِمٍ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِيمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا

ــ

[منحة الخالق]

الْإِيسَارَ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا مُعْسِرٌ وَعَلَيَّ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ.

(قَوْلُهُ: قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ وَالْأَيْسَرُ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا التَّقْدِيرُ بِشَهْرٍ بِلَا تَفْصِيلٍ وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ تُفْرَضُ لَهَا شَهْرًا فَشَهْرًا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَادَتِهِمْ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَرِفًا إلَخْ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ عَلَى الدَّهَاقِينِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ عِنْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَعَلَى التَّاجِرِ عِنْدَ اتِّخَاذِ غَلَّةِ الْحَوَانِيتِ وَغَيْرِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَعَلَى الْمُحْتَرِفِ بِالِاكْتِسَابِ كُلَّ يَوْمٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَسِّرَ عَلَى الدَّهَاقِينِ عِنْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَخْ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُمْهَلُ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي آخِرِ السَّنَةِ، ثُمَّ يَدْفَعُ كُلَّ سَنَةٍ فِي آخِرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّعْجِيلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى الدَّهَاقِينِ، بَلْ الْأَخَفُّ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ أُسْبُوعٍ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ إلَخْ) أَقُولُ: الْمُدَّعِي كَوْنَ الْخِيَارِ لِلزَّوْجِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ التَّجْنِيسِ مُفِيدٌ أَنَّ الْخِيَارَ لَهَا لَا لَهُ وَكَوْنُ الْخِيَارِ لَهَا يُنَافِي كَوْنَهُ لِلزَّوْجِ فَتَأَمَّلْ لَكِنَّ كَلَامَ التَّجْنِيسِ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ بِشَهْرِهِ لَا أَكْثَرَ فَالْخِيَارُ لَهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَإِذَا رَضِيَتْ مِنْهُ بِأَخْذِ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ الشَّهْرِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت إذَا شَرَطَ عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَمْوِينٌ كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ لَازِمٍ، وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ مَارَسَ كُتُبَهُمْ بَقِيَ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِفَرْضِهَا دَرَاهِمَ وَاسْتَوْفَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّمْوِينِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مُوجِبَاتِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ صُورَةَ سِجِلِّ النَّفَقَةِ قُلْت هَذَا دَلِيلٌ لِمَا أَقُولُ: مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ وَالْقَرَابَةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا بِشَرْطِهَا وَإِنْ كَانَ يَوْمٌ سَبَبًا لِنَفَقَتِهِ أَيْضًا وَأَنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ السَّبَبَ الْأَوَّلَ وَتَبَدَّلَ الْحَالُ وَالسِّعْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ يَعْتَمِدُ السَّبَبَ الثَّانِيَ اهـ.

وَعَلَى هَذَا لَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّمْوِينِ لَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُهِمَّةِ فَلْيُحْفَظْ وَفِي الْبَحْرِ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِنْ قُلْت هَلْ تَقْدِيرُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ حُكْمٌ مِنْهُ قُلْت هُوَ حُكْمٌ وَطَلَبُ التَّقْدِيرِ بِشَرْطِهِ دَعْوَى فَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي نَفَقَاتِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ نَفَقَةَ امْرَأَتِكَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ النَّفَقَةَ مُدَّةَ كَذَا يَصِحُّ وَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ بَعْدَ الْفَرْضِ صَحَّ فَإِنْ قُلْت إذَا فَرَضَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً بِالْجَمِيعِ مَا دَامَتْ فِي الْعِصْمَةِ قُلْتُ نَعَمْ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخِزَانَةِ فَرَضَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةً فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَتِهَا بَرِئَ مِنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا يَسْتَقْبِلُ بَرِئَ مِمَّا مَضَى وَمِنْ شَهْرٍ مِمَّا يَسْتَقْبِلُ وَتَمَامُهُ فِيهَا اهـ. قُلْتُ سَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>