للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الشُّهُورِ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُكَ عَنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا مِنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا فَرَضَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّمَا فَرَضَ لِمَعْنًى يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الشَّهْرِ فَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الشَّهْرُ لَا يَتَجَدَّدُ الْفَرْضُ وَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الْفَرْضُ لَا تَصِيرُ نَفَقَةُ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاجِبًا، وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَمَا مَكَثَتْ أَشْهُرًا أَبْرَأْتُكَ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا يَسْتَقْبِلُ يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَيَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ مَا يَسْتَقْبِلُ بِقَدْرِ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَلَا يَبْرَأُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ أَجَّرَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْ أُجْرَةِ الْغُلَامِ أَبَدًا لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ أُجْرَةِ شَهْرٍ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَى مُعَيَّنٍ لَا تَصِحُّ وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا تَصِحُّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ لِلْقَاضِي إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ وَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَآخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ شَهْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنْ لَمْ تَجِبْ لِلْحَالِ تَجِبُ بَعْدَهُ فَتَصِيرُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَيُجْبَرُ اسْتِحْسَانًا رِفْقًا بِالنَّاسِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً أَوْ لَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الصُّلْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي زِيَادَةَ دَيْنٍ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الْإِنْفَاقَ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ امْرَأَةٌ أَقَامَتْ عَلَى رَجُلٍ بَيِّنَةً بِالنِّكَاحِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ، وَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ لِمَا رَأَى مِنْ

الْمَصْلَحَةِ

يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهَا إنْ كُنْتِ امْرَأَتَهُ فَقَدْ فَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، وَكَذَا وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ، وَقَدْ اسْتَدَانَتْ وَعَدَلَتْ الْبَيِّنَةُ أَخَذَتْهُ بِنَفَقَتِهَا مُنْذُ فَرَضَ لَهَا اهـ.

وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ مِنْ الْقَاضِي يُصَيِّرُهَا دَيْنًا فَلَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ وَإِنْ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ قَضَاءً لَا يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِعَدَمِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ طَلَبُهَا التَّقْدِيرَ دَعْوَى وَمَسْأَلَةُ الْإِبْرَاءِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَنَجَّزَ وَفِيمَا بَعْدَهُ مُضَافٌ فَتَنَجَّزَ بِدُخُولِ الشَّهْرِ وَهَكَذَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الصُّلْحِ، وَلَوْ صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَنْ نَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ لَا أُطِيقُ ذَلِكَ فَهُوَ لَازِمٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ سِعْرُ الطَّعَامِ وَيَعْلَمُ أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكْفِيهَا اهـ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الصُّلْحِ فَفِي فَرْضِ الْقَاضِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً فَإِذَا قَرَّرَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ كُلِّ سَنَةٍ لَزِمَ التَّقْرِيرُ مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مُسْقِطٌ وَكَانَ بِقَدْرِ حَالِهِمَا وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ نَفَقَةَ امْرَأَتِكَ كَذَا وَكَذَا فِي مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولُ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنَّفَقَةِ لِمُدَّةِ كَذَا يَصِحُّ وَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ بَعْدَ الْفَرْضِ صَحَّ اهـ.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فَرْضَهَا قَضَاءٌ وَأَنَّهُ إذَا فَرَضَهَا، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ تَسْقُطْ، وَقَدْ نَقَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ وَهِيَ تَجْحَدُ أَوْ عَكْسَهُ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهَا وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْكِرًا إنَّمَا نَفَوْا النَّفَقَةَ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ لَا مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ لَهَا جَازَ، وَأَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عَطْفِ الْمُصَنِّفِ الرِّضَا عَلَى الْقَضَاءِ أَنَّ فَرْضَ الْقَاضِي بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا فَرَضَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ حَالِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الزِّيَادَةِ، وَكَذَا إذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَزْيَدَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَنْ نَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَالزَّوْجُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نُقِلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي النَّفَقَاتِ بِقَوْلِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي رَجُلٍ ضَمِنَ لِامْرَأَتِهِ النَّفَقَةَ وَالْمَهْرَ فَإِنَّ ضَمَانَ النَّفَقَةِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ مَعَ الْمَرْأَةِ يَصْطَلِحَانِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ لِنَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ يَضْمَنُهُ رَجُلٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الضَّمَانُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ اهـ.

فَجَوَازُهَا مَعَ عَدَمِ الْفَرْضِ فِي مَسْأَلَةِ مُرِيدِ الْغَيْبَةِ اسْتِحْسَانٌ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِالنَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ شَهْرٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَبَ لَا يُطَالَبُ بِمَهْرِ زَوْجَةِ ابْنِهِ وَنَفَقَتِهَا إلَّا أَنْ يَضْمَنَ وَأَطْلَقَ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَحَمْلُهُ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ مُرِيدِ السَّفَرِ أَيْضًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الذَّخِيرَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً أَوْ لَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ فَرْضِهَا مِنْ الْقَاضِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّرَاخِي، وَالِاصْطِلَاحُ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَفِي اشْتِرَاطِ التَّرَاخِي تَوْفِيقٌ بَيْنَ كَلَامِهِمْ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>