للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَادَ الطَّلَاقَ مِنْ عِنْدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْمَذْهَبِ فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عَلَى كُلِّ مُفْتٍ وَقَاضٍ اعْتِمَادُ عَدَمِ السُّقُوطِ خُصُوصًا مَا تَضَمَّنَهُ الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى اُسْتُفْتِيتُ وَقْتَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ امْرَأَةٍ لَهَا كِسْوَةٌ مَفْرُوضَةٌ تَجَمَّدَ لَهَا عَشْرُ سِنِينَ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ إنَّهَا رَفَعَتْهُ إلَى قَاضٍ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ فَاسْتَمْهَلَهَا يَوْمًا، ثُمَّ ذَهَبَ إلَى قَاضٍ رُومِيٍّ وَخَلَعَهَا عِنْدَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِسُقُوطِ الْكِسْوَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ تَعْتَمِدْ عَلَى تَصْحِيحِ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا قُلْت: لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي النَّفَقَةِ الْمُسْتَدَانَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَكَلَامُنَا فِي الْمَفْرُوضَةِ فَقَطْ

(قَوْلُهُ وَلَا تُرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ بِأَنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ هَالِكَةً فَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَلَا تَرُدُّ شَيْئًا اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْتَسِبُ لَهَا نَفَقَةَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلزَّوْجِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّهَا اسْتَعْجَلَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ بِالِاحْتِبَاسِ، وَقَدْ بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْمَوْتِ فَبَطَلَ الْعِوَضُ بِقَدْرِهِ كَرِزْقِ الْقَاضِي وَرِزْقِ الْمُقَاتَلَةِ وَلَهُمَا أَنَّهَا صِلَةٌ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالُوا وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُعَجِّلُ الزَّوْجَ أَوْ أَبَاهُ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا أَبُو الزَّوْجِ إذَا دَفَعَ نَفَقَةَ امْرَأَةِ ابْنِهِ مِائَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا الزَّوْجُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَذَا إذَا أَعْطَاهَا أَبُو الزَّوْجِ اهـ.

وَشَمِلَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَخْ) سَيُرَجِّحُ خِلَافَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَأَيْضًا نَازَعَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فَبَحَثَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَا كُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ هَذَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَعْلَمَهُ مُفْتٍ مَاجِنٌ وَأَيْضًا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَنَفِيٌّ عَالِمٌ بِالشُّرُوطِ فَقَدْ يَدَّعِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَنَحْوِهِ فَيَحْكُمُ لَهَا بِاللُّزُومِ فَيَضِيعُ طَلَاقُهُ وَفِي الْأَمْرِ الثَّانِي بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ اتِّفَاقًا يَكْفِينَا مُؤْنَةُ رَدِّهِ فَيُقَالُ لَهُ لَوْ كَانَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لَمَا صَحَّ التَّكْفِيلُ بِهِ فَنَقُولُ كَانَ الْقِيَاسُ ذَلِكَ لَكِنْ اسْتَحْسَنَ صِحَّةَ التَّكْفِيلِ شَفَقَةً عَلَيْهِنَّ وَامْتِثَالًا لِوَصِيَّةِ الشَّارِعِ بِهِنَّ فَذَا مِمَّا خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ ضَرُورَةً، وَجَعْلُهُ الْمَوْتَ مِنْ الْعَوَارِضِ دُونَ الطَّلَاقِ تَحَكُّمٌ بِلَا رَيْبٍ وَفِي الثَّالِثِ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ يُبْطِلُ سَائِرَ الْحُقُوقِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ سَائِرَ يَجِيءُ بِمَعْنَى جَمِيعِ فَتَكُونُ الْقَضِيَّةُ جُزْئِيَّةً قَصَدَ بِهَا سَلْبَ الْعُمُومِ لَا عُمُومَ السَّلْبِ وَيَكْفِي فِيهِ تَعَلُّقُهُ بِالْمَهْرِ فَقَطْ وَأَيْضًا يُمْكِنُ حَمْلُ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَنَفَقَةٍ اُسْتُدِينَ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ فَلَا يَبْعُدُ إطْلَاقُ جَمِيعِ الْحُقُوقِ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ إنَّ نِسْبَتَهُ الْخَصَّافَ إلَى أَنَّهُ زَادَ الطَّلَاقَ مِنْ عِنْدِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَنْبِطْهُ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأُصُولِهِمْ الْمُعْتَمَدَةِ فَهُوَ جَرَاءَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ إنَّهُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ يَلِيقُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنْ يُقَالَ يُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى كَمَا يَقَعُ.

وَجَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَمْ يَظْهَرْ ضَعْفُهَا كَيْفَ وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخَانِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ والمرغيناني وَذُكِرَتْ فِي الْمُتُونِ كَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ وَغَيْرِهَا وَظَهَرَ ضَعْفُ الْوُجُوهِ الَّتِي قَوَّى بِهَا خِلَافَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَلِهَذَا تَوَقَّفْت كَثِيرًا فِي الْفَتْوَى بِالسُّقُوطِ مَعَ مَا ظَهَرَ لِي مِنْ الْأَبْحَاثِ الْمَذْكُورَةِ وَظَفِرْت بِنَقْلٍ صَرِيحٍ فِي تَصْحِيحِ عَدَمِ السُّقُوطِ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَفِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِئَلَّا يَتَّخِذَهَا النَّاسُ وَسِيلَةً لِقَطْعِ حَقِّ النِّسَاءِ اهـ.

كَلَامُ الْمَقْدِسِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَدْ رَجَعَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَبَيَّنَ وَجْهَهُ الرَّمْلِيُّ بِبَعْضِ مَا مَرَّ، وَقَالَ إنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ أَفْتَى فِي فَتَاوِيهِ بِالسُّقُوطِ اهـ.

وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ السُّقُوطِ بِالرَّجْعِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ وَاسْتَحْسَنَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ وَبِالسُّقُوطِ مُطْلَقًا أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ لَكِنْ صَحَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَدَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى اهـ.

وَهُوَ يُشْعِرُ بِمَيْلِهِ إلَى مَا بَحَثَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَهُ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا صَحَّحَهُ هُوَ هَذَا كَمَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَاسْتَدَلَّ بِهَا وَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِيمَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ، بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْأَوَّلُ لِمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ وَالتَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْمُفْتِي عِنْدَ الْفَتْوَى بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الرَّجُلِ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ تَخَلُّصًا مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ لِسُوءِ أَخْلَاقِهَا مَثَلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>