للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُرَّةِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ تَقْيِيدِ زَوْجَةِ الْعَبْدِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً بِالتَّبْوِئَةِ فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا مُطْلَقًا وَقَيَّدَ بِالْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكَةِ عَلَى سَيِّدِهَا مُطْلَقًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّبْوِئَةَ مِنْ السَّيِّدِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ تَقْدِيمًا لِحَقِّهِ عَلَى الزَّوْجِ، وَلَوْ بَوَّأَ الْأَمَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ بِهَذَا الطَّلَاقِ فَلَا تَسْتَحِقُّ بَعْدَهُ وَإِنْ فَاتَتْ التَّبْوِئَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ عَادَتْ تَعُودُ النَّفَقَةُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْحُرَّةُ إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَلَهَا أَنْ تَعُودَ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّ فِي الْأَمَةِ النِّكَاحَ حَالَةَ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الِاحْتِبَاسِ إذْ لَا يَجِبُ التَّبْوِئَةُ وَفِي الْحُرَّةِ النِّكَاحُ حَالَةَ الطَّلَاقِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ إلَّا أَنَّهَا فُوِّتَتْ بِالنُّشُوزِ فَإِذَا عَادَتْ وَجَبَتْ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيرَ النَّفَقَةِ مِنْ الْقَاضِي قَبْلَ التَّبْوِئَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ السَّبَبِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَفِي الذَّخِيرَةِ والولوالجية وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ نِسْوَةٌ بَعْضُهُنَّ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ ذِمِّيَّاتٌ فَهُنَّ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِفَايَةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَلَسْنَ فِي النَّفَقَةِ سَوَاءٌ لِاخْتِلَافِ حَالِهِنَّ يَسَارًا وَعُسْرًا، فَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْمُوسِرَةِ كَنَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَلَيْسَتْ نَفَقَةُ الْحُرَّةِ كَالْأَمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ وَالسُّكْنَى فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى النَّفَقَةِ أَيْ تَجِبُ السُّكْنَى فِي بَيْتٍ أَيْ الْإِسْكَانُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ السُّكْنَى مِنْ كِفَايَتِهَا فَتَجِبُ لَهَا كَالنَّفَقَةِ، وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا أَوْجَبَ النَّفَقَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] أَيْ مِنْ طَاقَتِكُمْ أَيْ مِمَّا تُطِيقُونَهُ مِلْكًا أَوْ إجَارَةً أَوْ عَارِيَّةً إجْمَاعًا، وَإِذَا وَجَبَتْ حَقًّا لَهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّهَا تَتَضَرَّرُ بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا وَيَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ زَوْجِهَا وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ إلَّا أَنْ تَخْتَارَ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِانْتِقَاصِ حَقِّهَا وَدَخَلَ فِي الْأَهْلِ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ فَلَهُ إسْكَانُهُ مَعَهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَخَرَجَ عَنْهُ أَمَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ، فَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ الِامْتِنَاعُ مِنْ إسْكَانِهِمَا مَعَهَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِخْدَامِ فَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْبَيْتَ دُونَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ مُفْرَدًا وَلَهُ غَلْقٌ كَفَاهَا

ــ

[منحة الخالق]

الِاحْتِبَاسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِخْدَامِ الَّذِي تَنْتَفِي بِهِ التَّبْوِئَةُ هُوَ الِاسْتِخْدَامُ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَفُوتُ بِهِ الِاحْتِبَاسُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا وَتَبْوِئَتُهَا أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّبْوِئَةِ وَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ. اهـ.

فَقَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ أَيْ لِلنَّفَقَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ فَالْمُرَادُ بِالْمُوجِبِ لِلنَّفَقَةِ هُوَ التَّبْوِئَةُ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ الِاحْتِبَاسُ إلَّا بِهَا فَصَارَتْ التَّبْوِئَةُ عِبَارَةً عَنْ الِاحْتِبَاسِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا لَيْسَ شَرْطًا آخَرَ مُغَايِرًا لِمَا قَبْلَهُ، بَلْ هُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ إبْقَاءُ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ بِأَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْكَافِي عَقِبَ كَلَامِهِ السَّابِقِ فَإِنْ اسْتَخْدَمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْدَمَهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ مَوْجُودَةٌ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ بَوَّأَهَا قَبْلَهُ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَوَّأَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَهَا النَّفَقَةُ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَوَّأَهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا إلَيْهِ لِتُطَالِبَ بِالنَّفَقَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا كُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا يَوْمَ طَلَّقَ، فَلَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ أَبَدًا إلَّا الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ زَوْجِهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ وَتَأْخُذَ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَانِعَةً نَفْسَهَا مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهَا اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْطَ اسْتِحْقَاقُهَا النَّفَقَةَ وَقْتَ الطَّلَاقِ.

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُفَرَّعًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ لَا مَعْنَى لِهَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِتَابِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ إلَخْ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ وَخَرَجَ عَنْهُ أَمَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّهُ مُشْكِلٌ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ أَيْ أَنَّهَا لَا تَأْمَنُ عَلَى مَتَاعِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ بَيْنَ يَدَيْ أَمَةِ الرَّجُلِ هَذَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخِرًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>